رئيس التحرير
عصام كامل

ماكرون رئيس الغرابة والخروج عن العادة


تحيط الغرابة والخروج عن المألوف حياة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تمكن دون أدنى سابق خبرة سياسية من قلب موازين السياسة الفرنسية، وجعل أوروبا تتنفس الصعداء، بفوزه على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن.


على الصعيد الشخصي ضجت "السوشيال ميديا" بحثا عن قصة الزواج الغريبة التي جمعت ماكرون ومدرسته التي تكبره بـ24 عاما، وهما بذلك خرجا عن العادة. فالرئيس عمره 39 عاما وسيدة قصر الإليزيه عمرها 64 عاما وجدة لسبعة أطفال.

يعترف ماكرون أنه أُغرِم بزوجته بريجيت ترونيو وعمره 15 عاما، حين كانت تعلّمه المسرح في المدرسة. أما بريجيت فتقول: إن ماكرون كان مبدعا خلاقا ويتمتع بموهبة أدبية جعلتها تهتم به وتشجعه على النضوج، خصوصا أنه في عمر ابنتها وأصغر من ابنها، "لكنني وقعتُ تحت سحر ذكائه حتى هزمني".

يكمل صديق مشترك قصتهما: "بعد عام اعترفا بحبهما لبعضهما. وشاعت قصتهما في المدرسة، استاء والدا ماكرون اللذان يعملان في الطب مما سمعا، ونقلا ابنهما للدراسة في باريس، لكنه قال لبريجيت قبل مغادرته: سأعود يوما وأتزوجك. وحين بلغ ماكرون 18 عاما، انفصلت بريجيت عن زوجها، وانتقلت للإقامة في باريس لتبقى قريبة من تلميذها تدعمه وتشجعه على إكمال دراسته حتى تخرج في المدرسة الوطنية للإدارة، التي تُعتبر مصنعًا للنخبة الفرنسية، ثم نال الماجستير وانضمّ إلى بنك روتشيلد الاستثماري وتزوّجا عام 2007".

لم يشغل حفل تنصيب الرئيس ماكرون الرأي العام العربي، بل اتجهت الأنظار إلى إطلالته وزوجته بريجيت، وعلى الفور بدأت المقارنة بين البذخ في دولنا رغم فقرها، ورئيس من أسرة ثرية وبلد من أقوى اقتصادات العالم، ارتدى بدلة متواضعة سعرها 450 يورو. أما زوجته بريجيت فقد استعارت زيًا من قطعتين من دار أزياء "لويس فيتون"، حتى ينأى بنفسه عن البهرجة والبذخ، خصوصا بعد تورط المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية فرنسوا فيون في فضائح مالية، منها تلقيه بدلتين قيمتهما 13 ألف يورو هدية من رجل أعمال. كما لقب الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بـ"الرئيس بذخ" لنمط حياته المتسم بالبهرجة. أما الرئيس المنتهية ولايته هولاند فتعرض لانتقادات شديدة لأنه يدفع 10 آلاف يورو شهريًا للحلاق.

لم يركن ماكرون إلى دخوله "الإليزيه" وتوليه الرئاسة، بل عمل فورا على تنفيذ وعوده الانتخابية، بأن نسف القواعد المعتادة، وكلف طوعا اليميني المعتدل إدوارد فيليب من خارج حركة الرئيس "الجمهورية إلى الأمام" بتشكيل الحكومة، لكي يضمن جمع الأطياف السياسية، وجذب بعض أصوات اليمين لتأمين غالبية مريحة في الجمعية الوطنية خلال الانتخابات التشريعية المرتقبة في يونيو المقبل، وهو شرط أساسي ليتمكن الرئيس "الوسطي" من تطبيق إصلاحاته الليبرالية والاجتماعية. كما أن تشكيلة الحكومة ستكون اختبارا جديدا لخلط الأوراق السياسية، الذي وعد به ماكرون بعد انتخابه على أساس مشروعه "لا يمين ولا يسار"، في ختام حملة كشفت عن انقسامات عميقة في فرنسا، ومعاناة من بطالة مرتفعة فضلا عن خطر الإرهاب.

وانعكست إرادة الرئيس ماكرون لتوحيد صف الفرنسيين في إشادته بأسلافه الرؤساء جميعا من اليمين واليسار، بدءا من الجنرال ديغول حتى فرنسوا هولاند.

وكان ماكرون وعد في خطابه الرسمي الأول بـ"جمع" الفرنسيين المنقسمين وتحقيق "المصالحة" بينهم وإعادة الثقة اليهم، وكذلك إعادة تأسيس أوروبا وجعلها "أكثر فاعلية وديمقراطية".

من هنا ترجم ماكرون رغبته في إحياء المحور الفرنسي- الألماني، بزيارة ألمانيا في أول رحلة له إلى الخارج، يجري خلالها محادثات مع المستشارة ميركل لمناقشة "العمل المشترك في الأمن والاقتصاد والاستثمارات والضمان الاجتماعي ومكافحة الإرهاب". كما ينوي تفقد القوات الفرنسية في الخارج، خصوصًا في أفريقيا قريبا.

إيمانويل ماكرون، الذي يصور نفسه كشخصية رائدة رغم أنه من النخبة، استفاد بذكاء من الانقسام بين ساسة اليسار واليمين الذين هيمنوا على الحياة السياسية الفرنسية طوال 60 عامًا، وشكل حركة سياسية أطلق عليها "إلى الأمام"، وخلال عام واحد قلب الطاولة على الجمهوريين والاشتراكيين معا ليصبح أصغر رئيس في تاريخ فرنسا. يشبهه البعض في رحلة الصعود المفاجئة بالرئيس الأمريكي السابق أوباما، لكنه لا يحبذ ذلك، ويعتبر نفسه نسخة منقحة من الرئيس الأسبق بيل كلينتون باعتبار أنه "ليبرالي" مثله، دون أن تسبب ليبراليته أضرارا مالية واجتماعية كالتي خلفتها سياسة كلينتون... العالم عينه على ماكرون والعهد في بدايته.. فهل تغيره السلطة؟!

الجريدة الرسمية