المسكوت عنه تعففا للجيش
في جلسة نموذج محاكاة الحكومة قال الرئيس السيسي: إنه يجب التكامل بين مؤسسات الدولة دون تغول من أحد، بمعني أن الفصل بين السلطات أحد أهم سمات دولة المؤسسات، وفِي نفس الجلسة قال الرئيس: ده كلام عام أرجو عدم تآويله، لا البرلمان ولا الإعلام ولا القضاة، لازم نراجع حجم تجردنا، لأن مصلحتنا هي مصلحة مصر في النهاية..
وهذا كلام مهم، ولكن هل ينطبق على جميع مؤسسات مصر؟ والاجابة التي تبتغي مصلحة مصر ويتداولها الناس في جلساتهم سرا تعففا عن دور الجيش في الاقتصاد، وهو الملف المسكوت عنه خوفا من التآويل أو الاتهامات المعلبة لكل من يجرؤ على قول الحقيقة، ورغم وجود دراسات عديدة من مراكز أبحاث دولية بعضها محترم والآخر مشبوه إلا أن الحقيقة أن هناك كثيرا من اللبس والغموض يزيد من حدة الشائعات، خاصة في عمليات التكليف بالأمر المباشر من الرئيس، بدون المرور الدستوري على البرلمان على الأقل من حيث الشكل، لأن السؤال المتداول ومن يحاسب تلك المؤسسة إذا أخطأت، إلى جانب أن التغول في معظم الأنشطة المدنية يضع الجيش في مواجهة المدنيين رغم التوقير والاحترام الذي يحظي به الجيش في الضمير العام المصري..
وبشكل عام هناك قصور شديد في الدراسات المتعلقة بالاقتصاد العسكري، حتى بعد أن أصبح شريكا في معظم المجالات، وخطورة ذلك أن الجيش أصبح الواجهة لتلقي الانتقادات بدلا من الحكومة عند نشوب أي أزمة، وفِي نفس الوقت أصبح محل انتقاد من خصوم السلطة السياسيين، وإذا كان صحيحا أن الخلفية التاريخية التي تأسس عليها الجيش في عهد محمد على منذ قرنين من الزمان نشأت أساسا لبناء طبقة وسطي متماسكة إلى جانب العمال والموظفين، وكانت الصناعات العسكرية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحياة المدنية، فإن التطور الطبيعي لمؤسسات الدولة استدعى الفصل التام بين ماهو عسكري وماهو مدني..
وإذا كان صحيحا تدخل الجيش في معظم الأنشطة فإن دوره يغلب عليه الطابع الإشرافي وليس التنفيذي، وفِي فترات الطوارئ، ثم إن تدخل الجيش لا يعد خروجا على قواعد الديمقراطية، وخاصة في حالات عدم الاستقرار، بل ربما يكون دعما للمؤسسات المدنية شبه المنهارة، ولكن وجهة النظر الأخري تري أن مصر تتعرض على حدودها الشمالية والجنوبية والغربية لمشكلات ضخمة، والأمر يحتاج إلى التركيز وعدم التشتت في مهام مدنية، بعضها من وظيفة الداخلية والإسكان والصحة والري، وربما يكون هذا التدخل يمنع المنافسة ويمنحها ميزات تفضيلية وربما يصل الأمر لإضفاء ميزات احتكارية ينتفي معها شرط ترقية الكفاءة الاقتصادية ورفع الإنتاجية أي المنافسة العادلة في الأسواق..
ثم إن الشائعات تقول إن الجيش لا ينفذ كثيرا من المشروعات ولكن يمنحها لمقاولين من الباطن لينهي بذلك المناقصات التنافسية في المشروعات الكبري، وبغض النظر عن امتداد الإعفاء الضرائبي والجمركي من مشروعاته الخاصة إلى بقية المشروعات المكلف بها مما يستحيل معه المنافسة مع أي جهة أخرى كالأندية والقري السياحية والفنادق ودور السينما وشركات السياحة مثلا.
هذه بعض النماذج للنقد المتداول بين الخاصة والعامة في بر مصر، وصل تقديرات بعضها إلى أن الجيش يسيطر على نحو ٦٠٪ من اقتصاد البلد، ولأن الموضوع حساس ونحن في بدايته وتقوم قنوات الإخوان بالمبالغة في تقديراته واستعادة أيام ما قبل ٦٧ فإن فتح الملف بشفافية هو أقصر الطرق لوأد تلك الفتنة، التي تنمو يوميا بالصمت والترفع تعففا لحساسية الموقف والمؤسسة، من أن تلوكها ألسنة المؤلفة قلوبهم وطنيا، وربما كان التفكير في تخفيف الضغط عن الجيش، وترك بقية المؤسسات تحمل دورها الوطني بدلا من حمايتها بتركها في حضانة الجيش، يخلق حالة من الكسل القومي لبقية المؤسسات طالما أضحت القوات المسلحة بمثابة الحل لغالبية الأزمات..