«الإدريسي» أول جغرافي رسم خريطة صحيحة للعالم
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إدريس الصقلي، المشهور باسم (الإدريسي)، وهو أكبر علماء الجغرافيا المسلمين، وأول جغرافي رسم خريطة سليمة للعالم.
كان أول ما ظهر في الأندلس حيث تلقى علومه، ثم طاف البلاد حتى نزل صقلية ضيفا على ملكها روجر الثاني.
والمعروف أن الإدريسي ولد في مدينة سبتة بالمغرب عام (493 هـجريا - 1100ميلاديا) وتوفى عام (560 هجريا- 1166ميلاديا).
قضى الإدريسي جزءا من حياته في رسم أول خريطة سليمة للعالم، رسمها وفق القواعد العلمية الصحيحة والمعروفة في عصره، والتي هي في واقع الأمر لا تختلف كثيرا عما هو مستخدم حاليا، وصحح للعرب والأوروبيين مفاهيمهم عن العالم.
واستخدم الأوروبيون مصوراته وخرائطه في سائر الكشوف التي كانوا يقومون بها وقت عصر النهضة وخلال رحلات الاستكشاف.
تميز الإدريسي بالدقة في حساب الطول والعرض لمختلف البلاد، واستخدم في سبيل ذلك ما أطلق عليه اسم (لوح الترسيم)، وهو مشروع خريطة العالم التي رسمها فيما بعد، وقد نقش على دائرة من الفضة الخالصة عظيمة الجرم تزن نحو 400 رطل من الفضة صور الأقاليم السبعة ببلادها وأقطارها وخلجانها وبحارها، ومجاري مياهها ومواقع أنهارها، وعامرها وغامرها، وما بين كل بلدين منها، وبين غيرها من الطرقات، والمراسي المعروفة.
من مؤلفات الإدريسي كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، وألفه للملك روجر بناء على طلبه، وضمنه كل ما عرفه الأقدمون من معلومات سليمة، وأضاف إليها ما اكتسبه هو ومارآه ورصده في رحلاته واختباراته، وقد ظل هذا الكتاب مرجعا لعلماء أوروبا مدة زادت على 300 سنة، وفيه ما يقرب من 70 خريطة.
كما ألف كذلك كتاب (صفة بلاد المغرب) و(خريطة العالم المعمور من الأرض) وتشتمل العالم القديم - آسيا وأفريقيا وأوروبا- وقد ذكر فيها سبعة أقاليم، فجعل الإقليم الأول منها يمتد من خط عرض صفر إلى 23 درجة شمالا، وتلت ذلك الأقاليم الباقية بحيث يمتد الإقليم السابع من 54 درجة إلى 63 درجة، وما بعد هذه الدرجة الأخيرة منطقة غير مسكونة، وذلك لكثرة البرودة ووفرة الثلوج.
واهتمت المحافل العلمية في العراق بخريطة الإدريسي، وانتدبت من أجل دراستها ونشرها والعناية بها بعض العلماء، فأعادوا الخريطة إلى الأصل العربي، واستخدموا في ذلك العديد من النسخ المصورة من كتاب "نزهة المشتاق"، ونشر كذلك المجمع العلمي العراقي عام 1951 الخريطة المصححة، فبلغ طولها نحو مترين وعرضها نحو متر كامل، وجعل الإدريسي فيها الجنوب في أعلى والشمال في أسفل وهو غير المألوف اليوم والسائد في وقتنا الحاضر.
وبذلك يكون الغرب إلى اليمين والشرق يسارًا واستدارة الفلك في موضع خط الاستواء 360 درجة، وبين خط الاستواء وكل واحد من القطبين 90 درجة، لأن العمارة في الأرض بعد خط الاستواء 64 درجة والباقي من الأرض خلاء لا عمارة فيه، لشدة البرد والجمود، والأرض ذاتها مستديرة لكنها غير صادقة الاستدارة، والمحيط يحيط بنصف الأرض إحاطة متصلة دائرتها، فكذلك الأرض نصفها مغرق في البحر، والبحر يحيط به الهواء.
واختلفت الروايات في وفاة الإدريسي، فأحدها يقول إنه بقي في صقلية وتوفي فيها، والأخرى تقول إنه عاش آخر أيامه في سبته ودفن فيها عام 560 هجريا.