رئيس التحرير
عصام كامل

ماكرون يكشف الغطاء عن النخبة!


فاز ماكرون 39 عاما برئاسة الجمهورية الفرنسية.. الدولة العضو الدائم في مجلس الأمن.. صاحبة خامس اقتصاد على مستوى العالم وثاني أكبر اقتصاد في أوروبا بعد ألمانيا.. نجح الشعب الفرنسي في تحديد اختياره، وقرر أن يحطم سطوة الأحزاب التقليدية العتيدة التي تناوبت حكم فرنسا سنوات طويلة!


ماكرون الذي تخرج من المدرسة العليا للإدارة في 2004، ثم عمل مفتشا عاما للمالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي، وفى 2008 التحق بمصرف «روتشيلد»، وفى 2012 عمل مستشارا اقتصاديا للرئيس هولاند حتى 2014 ثم عينه بعد ذلك وزيرا للاقتصاد، واستمر وزيرا للاقتصاد لمدة عامين، ثم استقال وابتعد عن الإعلام وانهمك في تأسيس حركته التي بدأت بـ 4000 شاب انضموا لتأييده عبر مواقع التواصل الاجتماعي واقتنعوا بأفكاره، وسماهم «السائرين»، إذ سار هؤلاء في شوارع القرى والمدن، وأجروا 100 ألف مقابلة مع الجمهور، وكان سؤالهم الأساسي للناس ما الذي تريدونه لفرنسا ولأنفسكم وأبنائكم، وتم إخضاع نتائج هذه المقابلات للفحص والتحليل، وعلى أساسها بنى ماكرون برنامجه الانتخابي الذي أوصله قصر الإليزيه.

هذه باختصار رحلة صعود ماكرون للجلوس على كرسي حكم فرنسا، ورغم قصر مدة الرحلة إلا أن التحديات التي فيها تدعو للتأمل أو التعلم، أو تلمس بعض الخطي منها إذا أراد من يريد أن يكون ماكرون مصريا!

منذ بداية ماراثون الانتخابات الفرنسية، والحديث لا ينقطع في الشارع المصري عنها، وكأن الشعب المصري كان مدعوا للإدلاء بصوته في صناديق الاقتراع الفرنسية.. ربما كان المهم عند البعض أن يتعرف على ساكن الإليزيه الجديد، حيث تربط فرنسا ومصر علاقات جيدة، وتقارب كبير في وجهات النظر حول بعض القضايا الإستراتيجية خصوصا في جانب التعاون العسكري والاقتصادي، وفي جانب مواجهة الإرهاب خصوصا في ليبيا التي تعتبر من أهم الملفات التي تهتم بها مصر، بينما كان المهم عند البعض الآخر هو صغر سن ماكرون وزوجته التي تكبره بأكثر من عقدين من السنوات، وأنها كانت معلمته في المرحلة الثانوية، وكيف استطاعت أن تستحوذ عليه وتجعله يحبها ويتزوجها وغير ذلك من حواشي الكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر في تجربته التي تستحق الدراسة!

تجربة ماكرون المبهرة تم اختزالها عند الكثير من النخبة- التي تجيد الكلام ولا تجيد الفعل- في عمره القليل مقارنة بأعمار الحكام في منطقتنا العربية، وتقلصت في مناخ الديمقراطية الذي سمح له بالوصول إلى حكم فرنسا، وبالحرية التي مارسها الشعب الفرنسي في الاختيار، ونسيت النخبة أو تغافلت عن حجم التدخل من جانب الدولة ممثلة في الرئيس في الدعاية لماكرون والتأثير على الناخبين لاختياره، بالإضافة لرؤساء دول أوروبية جماعات ضغط يهمها أن تستمر فرنسا في الاتحاد الأوروبي الذي وعد به ماكرون في مواجهة منافسته.. لكن ما علينا وليس هو المهم في تجربة ماكرون بالنسبة للنخبة المصرية التي تأمل في وجود ماكرون مصري دون أن تعي الدرس وتستوعبه، ودون أن تحترم نفسها بالبعد عن السطحية والتفاهة في التناول، ودون أن تتخلي عن أسلوب التضليل والتلبيس الذي تمارسه على المصريين أو الناخبين!

ماذا فعلت النخبة التي كشفت تجربة ماكرون الغطاء عنها، وأسقطت ورقة التوت التي تخفي عورتها؟ وبماذا ترد على كلامها الذي صدعتنا به عقود طويلة بأن الوقت لم يسمح لها بإنضاج تجربة حزبية صحية، وبأن المناخ لم يسمح بوجود أحزاب قوية تمكنها من أن تنافس على السلطة، وتعمل من أجل الوصول إليها ليس على جثة أي نظام قائم، ولكن بالتواصل والعمل والجهد والدراسة والتواجد بين الناس، وبناء قواعد شعبية قادرة على الالتفاف حولها!

سنوات مضت ونحن لدينا أحزاب عتيقة من القرن الماضي، ولدينا أحزاب (العدد في الليمون) بعد يناير 2011 ومع ذلك لم تنضج تجربة واحدة فيها، ولم يحقق القائمون عليها أي درجة من درجات الديمقراطية التي يطالبون بها، وهي بين التفتيت والصراع على رئاستها وبين التواري والاكتفاء بالشكل والاسم!

هل من حق النخبة أو النكبة كما تستحق أن توصف أن تتحدث عن مرشح شاب أصبح رئيسا لفرنسا، وألا تتكلم عن فشلها في الوصول إلى الناس؟ هل من حقها أن تملأ صفحات الصحف بالكلام عن التضييق على الحرية والتعبير، وألا تنظر كيف فعل ماكرون والـ 4000 آلاف شاب الذين ابتعدوا عن الإعلام وإغراءاته، وتفرغوا لدراسة مشكلات فرنسا واحتياجات الشعب الفرنسي، وصاغوا من كل ذلك برنامجا صدقه الفرنسيون في أقل من عام ونصف العام؟

هل من حق النخبة التي تعمل بالسياسة لجني المال والمكاسب فقط أن تتندر وتقول متى يكون لدينا ماكرون مصري، وهي لا شاغل لها غير الظهور على الشاشات والحديث في الفراغ الذي لا ينتهي؟ وألا تقدم حلا لمشكلة واحدة؟

ماكرون كشف الغطاء، وعلي النخبة أن تستر نفسها وتبدأ عملا حقيقيا يكون الهدف منه مصلحة مصر.. مصر فقط وإلا فلتتوقف عن الكلام وتبرير الفشل.
الجريدة الرسمية