رئيس التحرير
عصام كامل

القومى للترجمة يصدر «الدين والسياسة في الشرق الأوسط» لبرناند لويس

فيتو

صدر عن القومى للترجمة حديثًا الطبعة العربية من كتاب برنارد لويس المثير للجدل (الإيمان والقوة...الدين والسياسة في الشرق الأوسط)، بترجمة أشرف محمد كيلانى.


يُعد هذا الكتاب هو أحد أهم وأخطر كتابات المستشرق اليهودي الأمريكي برنارد لويس، المستشار والمرجع الفكري الأول للإدارات الأمريكية المتعاقبة حول شئون الشرق الأوسط وصاحب النظرية التي تتبناها واشنطن وتقول: الطريق إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط لابد وأن تمر عبر التقسيم.

وتكمن أهمية الكتاب في ضوء حقيقة كون قراءته أشبه بعملية استكشاف للطريقة التي تفكر بها النخبة السياسية في أمريكا، والآلية التي تعمل بها الإدارات في واشنطن وكذلك تقدم الإطار النظري للمخططات المؤامرات الصهيو– أمريكية التي جرت أو لاتزال تجري عملية نسج خيوطها لإحكام الخناق على دول الشرق الأوسط، بهدف اخضاعها لهيمنة واشنطن وحليفتها تل أبيب.

يقدم لويس في هذا الكتاب، ليس للقارئ فقط وإنما للإدارات الأمريكية رؤية – يدرك تماما أنها ستأخذ بها – لتركيع دول الشرق الأوسط وإخضاعها، من خلال تصنيفه لأنظمة الحكم في المنطقة وتناوله لقضايا الإسلام والديمقراطية الليبرالية والعالم العربي في القرن الواحد والعشرين والسلام والحرية في الشرق الأوسط، والديمقراطية والشرعية والخلافة في الشرق الأوسط، والحرية والعدالة في الشرق الأوسط الحديث.

ويحرض لويس في الكتاب على تغيير الأنظمة وتنصيب أنظمة موالية، بعد تقسيمها إلى كيانات صغيرة، بعد إذكاء نار الطائفية والمذهبية، وإطلاق الرصاصة الأخيرة على الدولة الوطنية، لكي تبدأ حقبة الانقسام المذهبي ! وهنا تكمن خطورة برنارد لويس وكتابه هذا.

ويكفي القول إنه منذ إعلانه عن وجوب انتهاء الدولة الوطنية، وبدء حقبة الانقسام المذهبي، اتجهت أمريكا بالشرق الأوسط إلى هذا الطريق، وما يحدث في المنطقة الآن هو نتيجة الأخذ بما جاء في هذا الكتاب !

يتعرض الكتاب إلى فكرة الديمقراطية ومفهومها في العالم العربي، وهل تتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي أم لا. فينفي عن تلك الدولة التي نشأت في كنف الدين مبدأ الطبقية، ومُسمى السلطات الزمنية. فلا فضل لأحد إلا بالتقوى، ولكن يظل دومًا الفارق ما بين التعاليم والنصوص وما بين الوقائع، فبداية من الخليفة وأمير المؤمنين وصولًا إلى جلالة الملك والأمير والسيد الرئيس، لم يتغير الأمر إلا بتغير المُسميات فقط، وما شهده التاريخ من حالات تحققت العدالة والمساواة خلالها، تبدو قاصرة على طبيعة الشخصيات الحاكمة، دون أدنى استناد إلى فكرة أو قواعد قانونية أو أعراف تنتظم من خلالها طريقة عمل وأداء السلطة الحاكمة. ويذكر لويس مفهومه لطبيعة نظم المنطقة السياسية، ويصفها بأنها «الديكتاتوريات الشرق أوسطية»، التي تحتاج دومًا إلى الحروب من أجل تبرير وجودها واستمرارها. لكن المؤلف لا يذكر كيفية نشوء وتعاظم دور هذه الديكتاتوريات وقمعها لشعوبها، وكيف ساعد الغرب هذه الأنظمة. غير أن في المقابل يؤكد إيمانه بديمقراطيات الغرب وضرورة مساعدة هذه الدول الموبوءة بالتسلط حتى تتنفس نسائم الديمقراطية، وإلا لن ينجو الغرب من تبعات هذا القمع الشرقي.

وفي الأخير يطرح تساؤلاته حول إمكانية تحرير هذه الشعوب، وهل من الممكن نقل الحرية الغربية إليها؟ ورغم اعتراف برنارد لويس بالوضع الشائك والمضطرب الآن، لأن هذه الحرية المستوردة محفوفة بمخاطرعدة، فهناك الشعور المتأصل بمعاداة الغرب، لأنه مؤيد للنظم الديكتاتورية الشرقية، ويشير مثلا إلى المرافقة في تأييد الشعوب لأمريكا في حال معاداة نظامها السياسي، ويذكر إيران كمثال. ويعتقد أن الحل وإن كان صعبًا ويستغرق وقتًا طويلًا، فيبقى الاستمرار والمساعدة في تطوير المؤسسات الحرة، رغم القوى الداخلية التي تعمل بكل طاقتها ضد هذه المؤسسات، فالمحاولة صعبة، حسب رأيه، ونتيجتها غير مؤكدة، ويختتم بعبارته الدالة: «إما أن نأتي إليهم بالحرية أو أن يدمرونا».
الجريدة الرسمية