وباء التطرف الفكري.. الأزمة والمواجهة
هل التطرف الفكرى نتاج فقر أم فقر فكر؟؟
إن ما يمر به المجتمع المصري من تطرف فكري في اتجاهات متضادة شكل خطرا ضد استقراره وبقائه على السواء.. إن التطرف ظاهرة عاصرت تطور الحضارة الإنسانية في كل مراحلها ولا ينحصر فقط في التطرف الديني وإنما قد يكون أخطرها ضد الحضارة الإنسانية، وليس كلها سلبيًا لأن بعضها كان إيجابيًا، ولعل التطرف يبدأ في بعض الأحيان من أنشطة إيجابية ولكنها تنحرف عن أهدافها وفلسفتها الأصلية مثل ظاهرة إدمان العمل في اليابان (كاروشي) والتي أصبحت آفة مجتمعية في مجتمع متقدم..
وقد برز التطرف قبل بداية نشأة الحضارات الإنسانية، ولعل دور القيادة السياسية توجيه وتقويم الانحرافات والتطرف بما لا يضر بالنظام العام من خلال تهيئة المناخ العام والتحفيز، ثم يأتي أخيرا دور القانون كرادع وعقاب.. ولكن استخدام قوة القانون لا ينطبق إذا كان الانحراف في حالته الكامنة المقنعة وليس في العلن وهنا يتطلب إيجاد العلاج النفسي وإيجاد المناخ الطارد للتطرف بأشكاله، ومن الخطأ إرجاع أسباب التطرف للفقر فقط وإنما هو مناخ متكامل له إحداثيات وأركان.
سمات الانحراف الفكري:
١- تتعاظم عندما يستخدمها بعض القادة المجتمعيين المنحرفين في تضليل العوام والشباب أو الجهلاء وتعتمد أدواتهم على التأثير بالمشاعر (وأكثرها أثرا الدينية ثم القومية) وتتسع باستخدام أدوات الإعلام.
٢- عندما يتحول كلام القائد إلى مسلمات غير قابل للمراجعة وكأنه إله.. ويكون تشويه الحقائق أو استعمال مصطلحات وأفكار مبهمة ليس لها منطق فكري.
٣- التعامل مع الأمور بنظرة أحادية غير متوازنة والتركيز على صغائر الأمور فيما يسمى التبسيط المخل.
٤- تبرير الغايات والوسائل هو أهم مظاهر الانحراف والتطرف (الغاية تبرر الوسيلة) بما يؤدي للإخلال بالقيم الإنسانية والدينية.
٥- نشوء حالة من الصراع إن حدث اختلاف فكري بسيط وعدم تقبل الرأي الآخر وأحيانا يحدث انشقاقًا في ذات المجموعات المتطرفة ذاته.. رغم أن الفكر السوي يحترم الاختلاف كأساس تطور الحضارة الإنسانية.
٦- قد يظهر التطرف والانحراف في اتجاهين متناقضين أي أن المتطرف دينيا قد تجده متطرفًا في ممارسة الجنس بصورة غير سوية معبرا عن الخلل النفسي ووجوده في نفس المناخ المحفز للتطرف وعلى سبيل المثال فإن المتطرف في الإجرام هو أكثر عرضة للتطرف الديني دون غيره.
المواجهة والحلول:
١- دور مؤسسات الدولة خلق المناخ العام الذي يحقق ثقافة ووعي مجتمعي يحقق الاستقرار والتنمية إيمانا بأهدافها من خلال وزارات التعليم والشباب والثقافة والتضامن الاجتماعي ومنظمات مجتمع مدني فاعلة وأحزاب حقيقية من خلال خطة لها معايير للتقييم خلال مراحل محددة.
٢- خطة لصياغة فكر متزن للبناء النفسي المتزن ولمواجهة الفراغ الفكري لدى الشباب بصناعة الأمل في مستقبل أفضل بالإنتاج والإبداع وتحقيق الذات لصد الأفكار المتطرفة ووأدها في مهدها وذلك يبدأ من الجامعات والمدارس.
٣- إيجاد وصناعة قيادات طبيعية ومرجعيات مجتمعية في شتى المجالات مؤيد ومعارض تعتقد بقبول الآخر ولها من المصداقية والتوازن لمواجهة البدع والخرافات وتصحيح العادات المتوارثة والثوابت البالية بما يحقق الصالح العام للمواطن وللمجتمع وتطوره وتنميته.
٤- تحقيق مبدأ المساواة والعدل والثواب والعقاب لأن المناخ المفرز للتطرف يعتمد على خلق حالة الضحية لصناعة المتطرف نفسيًا.
٥- إيجاد مؤسسة حكومية لها السلطة في الرقابة على الأفكار والمسلمات وتفاصيل مدمرة خاصة التي تحرض على درجات التطرف الأدنى لأنها درجة في التطرف الفكري وتؤسس لانتشار القيم الإنسانية وقيم العمل.
٦- مقاومة جميع أنواع التطرف لأنها متصلة نفسيا بصورة غير ملموسة أي أن الانحلال الأخلاقي المعلن في المجتمع قد يستفز تطرفا دينيا معاكسا أو تطرفا دينيا موازيا مثل ظاهرة خطف النساء واغتصابهم تحت ستار الانحرافات الدينية أيضًا التطرفات السياسية قد تؤدي لشق المجتمع.
٧- أخيرا يأتي دور التنمية الاقتصادية في القضاء على الفقر وإشراك المواطن في نتائجها ولكن الأهم هو خلق الحالة النفسية المجتمعية في الاستماع بالحياة والبهجة بصورة صحية.
أن يفرز مناخ التطرف ظواهر مجتمعية متناقضة في تصنيف مصر عالميا أنها الدولة الثانية في التحرش إلى استباقيتها في الولوج لمواقع الإنترنت الجنسية مع مجتمع يفرز شخصية الإرهابي آن واحد.. إنه مجتمع يتلذذ في إعلامه بالتطرف.. مجتمع يفرز الانتحاري المتطرف دينيًا وعلى الجانب الآخر يفرز مغتصب الأطفال وزنى المحارم وبيع الأعضاء.. وعندما يكون البلطجي هو الحاكم الطبيعي للحارة فتتطور التنظيمات المتطرفة لتفرض سيطرتها في اتجاه مضاد..
ومن سخرية القدر أن يكون الإرهابي هو نفس البلطجي السابق وعندما يتحول الخلاف السياسي بين جموع القوى المدنية الشعبية والإخوان إلى مقولة (هنفجر مصر) فإننا نمر بأزمة في الفكر والحوار وقبول الآخر لتهدد المجتمع المصري وتحتاج للعلاج النفسي لمجتمع مر بظروف وتعرض لمرحلة من الفوضى في الأفكار بعد عصور من الانغلاق سببت تطرفًا وانحرافًا مَس أغلب فئات المجتمع، لذا فالحل ليس حكرًا ولا مسئولية على مؤسسة دون الأخرى... إنها أزمة مجتمع يحتاج لعلاج نفسي مكثف.. وزرع ثقافة قبول الآخر وليس هناك من يدعي الفضيلة فنحن جميعا مسنا التطرف ولو بدرجات.
لماذا نلوم جيل الشباب ونحن من أفرزنا جميع أنواع التطرف الفكري وغضضنا الطرف تجاهه لعقود.. إن الأزمة أكبر من تطرف ديني إنه رجعية فكرية وتجاهل مواجهة الأزمة بفكر علمي ممنهج!! إن مصر تمتلك من المقومات والكفاءات ومن الموروث الحضاري ما يؤهلها لقهر فكر التطرف.