رئيس التحرير
عصام كامل

الإدارية العليا تؤيد الداخلية في رفض إسقاط الجنسية المصرية عن لبنانية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أرست المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى فحص، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وسامى درويش نائبى رئيس مجلس الدولة مبدأ قانونيًا جديدًا في مجال الفكر الحديث عن مفهوم الجنسية، قوامه أن الجنسية المصرية علاقة روحية محسوسة لا مادية ملموسة، تقوم على الولاء لا المصالح، وأيدت المحكمة قرار الداخلية برفض طلب زوج مصرى ضد زوجته اللبنانية بسحب جنسيتها المصرية، لمجرد أنه طلقها بعد أن فقدت جنسيتها اللبنانية، تلافيًا لانعدام جنسيتها المنهى عنه دوليًا.


وأكدت أنه إذا اكتسبت الأجنبية الجنسية المصرية فلا تفقدها عند انتهاء الزوجية إلا إذا استردت جنسيتها الأجنبية أو تزوجت من أجنبى، ودخلت في جنسيته.

كما أكدت أن مبدأ حرية الدولة في تنظيم أمور جنسيتها مشتق من مبدأ سلطة الدولة على إقليمها، إلا أنه في مجال فكر القانون الدولى الخاص فثمة قيود تفرضها الأعراف الدولية وأخرى تفرضها الاتفاقات الدولية على حرية المشرع في ذلك التنظيم.

وقضت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى فحص الطعون برئاسة المستشار أحمد الشاذلى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وسامى درويش نائبى رئيس مجلس الدولة بإجماع الاَراء برفض الطعن المقام من زوج مصرى ضد وزارة الداخلية وطليقته اللبنانية التي اكتسبت الجنسية المصرية بعد زواجها منه وأيدت قرار وزارة الداخلية برفض طلب زوجها المصرى بسحب جنسيتها المصرية بعد أن طلقها والزمت الزوج المصروفات.

وقالت المحكمة إنه بالنسبة للأجنبية التي تتزوج من مصرى فلا تكتسب جنسيته بالزواج إلا إذا أعلنت وزير الداخلية برغبتها في ذلك، ولم تنته الزوجية قبل انقضاء سنتين من تاريخ الإعلان لغير وفاة الزوج، وقد أجاز المشرع لوزير الداخلية بقرار مسبب قبل فوات مدة السنتين حرمان الزوجة من اكتساب الجنسية المصرية، على إنه إذا اكتسبت الأجنبية الجنسية المصرية طبقًا لذلك فلا تفقدها عند انتهاء الزوجية إلا في حالتين وردتا على سبيل الحصر: الأولى: إذا استردت جنسيتها الأجنبية والثانية: إذا تزوجت من أجنبى ودخلت في جنسيته طبقا لقانون هذه الجنسية، ولا يجوز القياس على هاتين الحالتين.

ومن ناحية أخرى أجاز كذلك لمجلس الوزراء بقرار مسبب منه سحب الجنسية المصرية من كل من اكتسبها بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة خلال السنوات العشرة التالية لاكتسابه إياها، ما أجاز سحبها من كل من اكتسبها بالتجنس أو بالزواج، وذلك خلال السنوات الخمسة التالية لاكتسابه إياها، وذلك في أية حالة من الحالات الثلاث التالية: الأولى: إذا حكم عليه في مصر بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف، الثانية: إذا حكم عليه قضائيا في جريمة من الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج أو من جهة الداخل، الثالثة: إذا كان قد انقطع عن الإقامة في مصر مدة سنتين متتاليتين، وكان ذلك الانقطاع بلا عذر يقبله وزير الداخلية.

وأضافت المحكمة إن الجنسية باتت رابطة قانونية وسياسية واجتماعية تربط الفرد بالدولة التي يحمل جنسيتها ومرجع هذا الوصف أن الفرد بموجبها يصبح من مواطنى الدولة متمتعًا بالحقوق متحملًا بالالتزامات وفقًا لأحكام القانون، ذلك أن الجنسية هي رابطة أصلية بين الدولة والفرد يحكم القانون نشأتها ويحدد آثارها، وتقوم في الأصل على فكرة الولاء للدولة فتتميز عن غيرها من الروابط القانونية بطابعها السياسي فهى علاقة روحية محسوسة وليست مادية ملموسة وتنشئها الدولة بإرادتها المنفردة، فتحدد بتشريعاتها الوطنية الأسس والمعايير التي يتعين تطبيقها لتحديد من يعتبر متمتعا بها أو خارجًا عن دائرة مواطنيه.

وأكدت المحكمة أنه ولئن كان مبدأ حرية الدولة في تنظيم أمور جنسيتها مشتق من مبدأ سلطة الدولة على إقليمها إلا أنه في مجال فكر القانون الدولى الخاص فثمة قيود تفرضها الأعراف الدولية وأخرى تفرضها الاتفاقات الدولية على حرية المشرع في ذلك التنظيم ومثال قيود الأعراف الدولية على سلطات الدول في مجال منح جنسيتها للأجانب وقوامها اشتراط وجود علاقة جدية حقيقية لا صورية أو مستترة بين الفرد الأجنبي الراغب في الجنسية وبين تلك الدولة بحيث إذا انعدمت تلك العلاقة أو ضعفت فلا يعترف دوليًا بالجنسية المفروضة أو الممنوحة من الناحية الدولية حتى وإن كانت لها قيمة من الناحية الداخلية ومن السوابق الدولية التي تؤيد هذا النظر إبطال المجلس الأعلى للحلفاء والسلطة التشريعية في ألمانيا عام 1949 قانون أصدرته حكومة الرايخ عام 1943 (أي الإمبراطورية الألمانية بالألمانية Reich) يقضى بفرض الجنسية الألمانية جبرًا على بعض الطوائف من الأهالي بمناطق الإلزاس ولورين ولوكسمبورج، ومثال قيود الاتفاقات الدولية التي ترد على حرية المشرع في تنظيم مسائل الجنسية اتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية ( تقليل حالات اللا جنسية)عام 1961 واتفاقية جنسية النساء المتزوجات عام 1957 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979 فهى تستهدف تلافى ظاهرتين دوليتين هما انعدام الجنسية وازدواج الجنسية، فضلًا عما ذهبت إليه المحكمة الدائمة للعدل الدولى – الموافق على نظامها الاساسى منذ 16 ديسمبر 1920م، وذلك قبل تغيير اسمها لمحكمة العدل الدولية اعتبارًا من 18 أبريل عام 1946– في رأيها الإفتائى الذي قدمته لعصبة الأمم في 4 فبراير 1923– قبل تغيير اسمها لهيئة الأمم المتحدة – من أن مسائل الجنسية وإن كانت من المسائل المتروكة للاختصاص الداخلى لكل دولة إلا أنه يجب على كل دولة أن تلتزم في تصرفاتها في هذا الصدد بالالتزامات التي تكون قد تعهدت بها قبل الدول الأخرى.

وأشارت المحكمة إلى أنه وفقًا للمادتين (8و9) من اتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية لعام 1961 لا يجوز للدول أن تحرم أي فرد من جنسيتها لأسباب عنصرية أو عِرقية أو دينية أو سياسية. ولا يجوز أيضًا حرمان شخص من الجنسية إذا كان هذا الحرمان سيجعله عديم الجنسية، إلا في حال أن يكون الشخص قد حصل على الجنسية بالغش أو الاحتيال. ويجوز للدول الاحتفاظ بالحق في حرمان الشخص من جنسيته، حتى لو أدى ذلك إلى انعدام الجنسية إذا كان قد ارتكب تصرفًا مخالفًا لواجب الولاء للدولة، أو كان قد أقسم يمينًا أو أصدر إعلانًا رسميًا بالولاء لدولة أخرى، وهو ما يؤكد أن العلاقة بين الفرد والدولة روحية تقوم على الولاء لا مادية تقوم على المصالح.

واختتمت المحكمة أن الثابت بالأوراق أن المطعون ضدها الثانية لبنانية الجنسية قد حصلت على الجنسية المصرية بالزواج من مصرى هو الطاعن وقد انفصمت عرى العلاقة الزوجية بينهما بطلاقها منه في 14 /11/ 1999 وهو تاريخ لاحق على حصولها على الجنسية المصرية، ولم تسترد الجنسية الأصلية وهى اللبنانية ولم تطلب معاملتها بوصفها أجنبية، ولم تتزوج من أجنبي وهو ما يترتب عليه حقها في البقاء متمتعة بالجنسية المصرية، وهو ما أعملته الجهة الإدارية المطعون ضدها دون الاستجابة لزوجها المصرى الطاعن فمن ثم يكون تصرف الداخلية مطابقًا لحكم القانون. ولا يغير من هذا النظر ما ذكره الطاعن من أن المطعون ضدها الثانية قُدمت للمحاكمة في جناية أمن الدولة العليا وجناية الرشوة ويعيب على وزارة الداخلية عدم قيامها بسحب الجنسية المصرية منها، ذلك أن الطاعن عجز عن تقديم ثمة حكم جنائى صادر ضدها في هذا الشأن مما يناقض قوله قرينة البراءة المنصوص عليها دستوريًا فضلا عن أن تقرير إدارة البحث الجنائى قسم مكافحة جرائم الاَداب العامة ورد به أنه لم تشر التحريات التي اُجريت إلى ما يسئ لسمعتها في محيط سكنها، ولم تتوافر إحدى حالات سحب الجنسية منها مما يجعل قوله لا يستأهل في الحق ذكرًا.
الجريدة الرسمية