صلاح الدين أم كبير السُيَّاس
بالأمس مرت ذكرى "طاهر أبوفاشا" الذي أسعدنا بمسلسله الإذاعي ألف ليلة وليلة.. ولأن مساحة المقال لا تسمح بعرض ألف موضوع مختلف، فسيتم الاحتكام لأم كلثوم التي أقرت في أغنية (ألف ليلة وليلة) أن ليلة حب حلوة بألف ليلة وليلة.. لذا سيكتفي المقال بعرض ثلاث ليال فقط.
الليلة الأولى: ليلة وفاة صلاح الدين الأيوبي والذي رحل منذ أكثر من ثمانمائة عام قبل أن يعود منذ أيام ليجعلنا نفهم الفارق بين الباحث العلمي والباحث عن الشهرة، والأخير يعرف جيدًا قواعد اللعبة التي تقبل التهجم على الحاكم إذا توفى من ألف عام، بينما تمنع التهكم على الحاكم إذا تولى من ألف يوم.
تصرف "الأيوبي" وُفق مقتضيات عصره فأصاب وأخطأ، ولكنه تحول عند الكثيرين إلى رمز وأصبح نسره يتوسط علم الجمهورية بما يحمله من معاني القومية والانتصارات العربية وهي قيم يجب التعامل معها بحرص وتحليلها ونقدها بعيدًا عن أوصاف "الأفضل" أو "الأحقر" حتى لا نخلط بين حديث المؤرخين وحكاوي المخرفين.
الليلة الثانية: طلب الوالي محمد على من كبير السياس أن يعطى فرسًا هدية لأحد الأشخاص، وكان مسيحيًا، وبعدها اكتشف الوالي أن الفرس المُهدى به عيب، فسأل كبير السُيَّاس عن سبب إعطائه فرسًا معيبًا للرجل، فرد السائس بكل ثقة (الفرس الذي اخترته حسن جدًا بالنسبة لكافر!)، فقال له محمد على (إن الكافر هو الذي لا يُنفذ أوامري) وأمر أن يُعاقب في الحال بالضرب بالعصا على قدميه.
مرت عقود طويلة على رحيل محمد على، وبقاء أحفاد السائس ممن يتخصصون في إهداء الآخرين أحاديثهم المعيبة والمؤذية للمشاعر بينما لا يفهمون أن تجنب إثارة الفتن والمعارك غير المبررة يعد في حد ذاته فعلا حسنا جدًا.
الليلة الثالثة: في فيلم (الليلة الموعودة) قام فريد شوقي وأحمد زكي بتحدي بعضهما في النصب على الضحايا، ولكن يبقى عدد ضحايا النصب في الفيلم أقل بكثير من ضحاياهم في وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم عبرها ابتكار القصص وترويج الشائعات لتؤذي أفرادًا أو مؤسسات أو حتى الدولة بأكملها.. وفي قصة انتحار السائحة البولندية في مصر مجالًا متسعًا لخروج البعض بعشرات الشائعات وسط تحقيقات ما زالت جارية.
تداول الشائعات يعني الإضرار بالعلاقات المصرية البولندية التي تمر بعامها التسعين، أو التأثير على السياحة التي تعد بولندا من روافدها، لذا يبقى من الضروري في كل الأزمات أن يتواجد للدولة ذراع إعلامية قوية في وسائل التواصل الاجتماعي يتم تأسيسها وفق إستراتيجية متكاملة لإدارة صورة الدولة على هذه المواقع ليُصبح لدينا في النهاية محتوى باللغة العربية بجانب لغات أخرى قادر على الرد، وبث الرسائل، والتأثير، وتشكيل الوعي، وصياغة الرأي العام المحلي والعالمي للمساهمة في صناعة صورة إيجابية للدولة في الخارج والداخل، وإلا علينا انتظار الليلة الموعودة التي تكون فيها الدولة بأكملها ضحية لعملية نصب.