رئيس التحرير
عصام كامل

أمن مصر القومى بين التحايل السياسى وإرهاب القوة


اللعبة السياسية لها العديد من الدعائم والأركان التى يستمد منها النظام قوته وقدرته على إدارة شئون البلاد، كما تعطيه القدرة على التصدى لمعارضيه فى حال قلب النظام أو سحب شرعيته، وفى مصر الآن نظام يولد تتبناه جماعة الإخوان المسلمين بكل العداوات التى اكتسبتها على مدار تاريخها عموما وفى عامى ما بعد الثورة خصوصا، ومن بينها –كما لا يخفى على الجميع– العديد من مؤسسات الدولة السيادية.


وبالتالى فلم يكن من الجماعة منذ توليها الحكم إلا أن تسعى على قدم وساق لـ"قصقصة ريش" المعارضة والحد من دور المؤسسات وقدرتها على التأثير فى موازين اللعبة السياسية، وهو ما لم تتورع الجماعة عن تنفيذه تحت مسمى القانون تارة وبالعنف ومحاصرة الأماكن الحيوية تارة أخرى بشكل يدعو للازدراء أكثر مما يدعو إلى الخوف.

ومن أهم دعائم الاستقرار السياسى فى منظومة العالم الحديث هو دعم المنظومة الدولية بحيث يضمن الاعتراف العالمى بالسلطة وشرعيتها المساعدات الاقتصادية، ومن ثم الاستقرار السياسى خاصة فى حالات المد الثورى، وهو ما اعتمدت عليه كليا جماعة الإخوان لقطع الطريق على معارضيها من الداخل، فرأينا قياداتهم ولا زلنا تحتل الصفحات الأولى من الجرائد العالمية خاصة الأمريكية منها فى حوارات وتصريحات عديدة، وإن كانت لا تمت بصلة لأفكارهم ومبادئهم التى عملوا فيما يقارب قرنا من الزمان على الترويج لها والمتاجرة بها.

ولكن ما حدث وبعد مرور أقل من عشرة أشهر على توليهم السلطة فقد الإخوان العديد من كروت اللعبة، خاصة مع توحد الأحزاب المعارضة فى كيان واحد وبمطالب محددة، ومع استمرار التجاهل من جانب الجماعة وإصرار المعارضة على المطالبة بحق الشعب المشروع فى بناء دولة مدنية تحترم القانون والدستور فقد أصبح موقف الجماعة ورئيسها صعبا.

فقد اتضح للجميع بما لا يدع مجالا للشك أن الرئيس الجديد لا يكترث بمبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد التى توصل لها العالم وضمتها مواثيق الأمم المتحدة، وهو ما لا يمكن لأى دولة أن تتبناه أو تدعمه بالتزامن مع إعلانها المستمر عن التزامها بحفظ حقوق الشعوب فى إدارة شئون بلادها، لذا أصبحت شرعية النظام الجديد برمته على المحك.

فرأينا الاتحاد الأوربى يعلن تدريجيا سحب المساعدات الاقتصادية والسياسية التى كان قد أقرها للنظام الجديد فى مصر فى إطار يوحى بتبرئة نفسه أمام الرأى العام العالمى من تهمة دعم ديكتاتورية فاشية فى الشرق الأوسط، ومع استمرار الأخطاء الفادحة للنظام الإخوانى فقد بات الدفاع عنه أو حتى السكوت عن تصرفاته وصمة على جبين أى دولة على مستوى العالم حتى لو كانت دولة عظمى.

لذا فليس من الصعب على المتابع التنبؤ بالنهاية الوشيكة للنظام السياسى الإخوانى فى مصر خاصة مع المعركة متعددة ألأطراف التى تخوضها الجماعة بكل التعالى والكبر فى الداخل.

ولكن هل اعتمد الإخوان المسلمون على اللعبة السياسية فقط لضمان الحكم فى مصر أم أن لهم ذراعا أخرى؟

المتعمق فى فكر التنظيمات الإسلامية والإخوان المسلمين خصوصا يعلم جيدا أن العنف "تحت مسمى الجهاد" هو أقرب الوسائل وأحبها إلى قلوبهم والأكثر تأثيرا فى تاريخهم، سواء ما مارسوه من عمليات خطف واغتيال وإرهاب أو ما مورس ضدهم من نظام الحكم الذى كان يتحرك بدافع تفهمه لخطرهم على الأمن القومى أو بدافع حرصه على السلطة وكلاهما كان مدعوما فى ذلك برأى الشعب وموافقته.

وعليه فإن اللعبة السياسية وفشلها بالنسبة للإخوان المسلمون ليست نهاية المطاف، وإنما هى تحول إلى مرحلة أخرى بمثابة مباراة العودة.

فقد أنشأوا تنظيما تاريخيا فقط ليُعِدوا القوة ورباط الخيل ليرهبوا به أعداء الشريعة، وهو ما يجعلهم يهولون من قدراتهم ويبذلون كل غال ونفيس فى سبيل إثبات قدراتهم الغير طبيعية على دحض الأعداء، وهو ما يجعلهم يعتقدون فى قدرتهم على فرض الاستقرار السياسى بالقوة التنظيمية المسلحة التى أظهروها فى عدة مناسبات فى مواجهات المتظاهرين العزل.

وهو ما ظهر فى تصريحاتهم المهددة بحرق مصر مؤخرا وإشعال فتيل الحرب الأهلية على شعب مصر وقواته المسلحة بما يشكل خطرا ليس فقط على أمن المواطنين بل على الأمن القومى لمصر كلها.

لذلك فمصر الآن تقع بين مطرقة العنف والإرهاب وبين سندان التحايل السياسى باستخدام مصطلحات جوفاء تخلو من أى مضمون حقيقى يحقق الصالح العام للبلاد ويعبر بها إلى بر الأمان والتنمية فى مرحلة تعد الأكثر ضبابية فى تاريخ مصر الحديث، ليس لتحديد مصير مصر وحدها بل مصير المنطقة بأسرها.
الجريدة الرسمية