رئيس التحرير
عصام كامل

مصر في أسبوع


كان هذا الأسبوع مليئًا بالأحداث التي تستحق التأمل، والتي تعطي بعض المؤشرات على إدارة الدولة ومستقبلها. نبدأ باللغط البرلماني الكبير والشد والجذب الشكلي حول العلاوة الدورية لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، والحقيقة أننا انتظرنا من قانون الخدمة المدنية أن يكون فاتحة خير كأداة للإصلاح الإداري والوظيفي لكل العاملين بالدولة، يقضي على الفساد الحالي في التعيينات واختيار القيادات والأجور وغيرها من المشكلات، التي كانت حجر الزاوية فيما أصاب الجهاز الإداري للدولة بالترهل والفساد..


وبدلًا من أن يأتي القانون بإصلاح حقيقي بوضع جدول موحد وشفاف لأجور العاملين بالدولة يبنى على المسئولية والمخاطر والمتطليات وساعات وظروف العمل، يقضي على الفساد المستشري ويحقق قدرًا من العدالة على الأقل، يمنع أن يحصل من يؤدي نفس الوظيفة على أضعاف نظيره في مكان آخر ممول من المال العام، بدلًا من ذلك جاء القانون مهملًا -ربما عن عمد - استهداف تحقيق العدالة، ومكرسًا للفساد في الشق المالي، وزاد من ذلك تكريسه لما يعرف بالكوادر الخاصة، والتي استطاع أصحابها عمل جداول أجور خاصة بهم تتفاوت تبعًا لقدرتهم على التأثير أو التعاون مع أولي الأمر.

إلا أن القانون في شقه المالي كان يستهدف أمرًا واحدًا وهو منع زيادة الرواتب! فبعد ما يقارب العامين من بدء تطبيق القانون لم نر أي إصلاح إداري، فلم تقم أي وحدة إدارية بتحديد هيكلها الإداري وخطتها في إصلاح ذلك الهيكل، ولم يتم إلزام هذه الوحدات بعدم التعيين أو الإعلان عن أي وظيفة إلا عن طريق إعلان شفاف على بوابة الحكومة الإلكترونية، بل رأينا ابنة أحد الوزراء تُعين في وظيفة غيرة مؤهلة لها براتب ضخم، ودون إعلان أو مسابقة، ولم يتم تطبيق ما ورد بالقانون في تعيين أي من الوظائف القيادية..

لكن جاء تطبيق القانون في الشق المالي من أول يوم فالمخاطبين به تم تعديل رواتبهم لأجر وظيفي وشامل وتحويل كل الحوافز والبدلات إلى أرقام ثابتة لا تزيد، بل تترك ليأكلها التضخم، فتكون المحصلة هى التضاؤل التدريجي للرواتب الذي ربما يكون الغرض منه دفع العاملين بالدولة إلى التقاعد المبكر أو ترك وظائفهم غير عابئين بتأثير ذلك على نظام العمل، الذي من المفترض أن تكون الدولة فيه هى صانع السوق ولو بمتوسط مقبول للأجور ومعاملة آدمية للعاملين.

وعلى الجانب الآخر توقفت العلاوة الدورية لغير المخاطبين بالقانون منذ 2015، رغم وجوب استمرارها قانونًا على النظام القديم حتى حدوث تغيير تشريعي، إلا أن الدولة التي أصبحت أكثر من أصحاب الأعمال تعسفًا فاختارت إيقاف العلاوات حتى صدور التشريع.

وبدأ الصراع داخل البرلمان بين سطوة الحكومة التي لا ترى ولا تسمع.. لا ترى ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم غير المسبوقة على مستوى العالم، ولا تسمع نداءات العاملين بالدولة ليس بالعدل ولكن بالرحمة، ففي الوقت الذي ترفع فيه الحكومة يدها عن أسعار كل شيء من بنزين وكهرباء ومياه دون أي خطط أو اهتمام للتعامل مع آثار ذلك على الشعب مما يترتب عليه ارتفاع جنونب في أسعار السلع والخدمات، نجدها تغض البصر عن الانخفاض الكبير في القيمة الحقيقية للأجور والذي يعصف بملايين الأسر.

استمرت المناقشات واللغط في النهاية، وكالعادة، انتصرت الحكومة ووافق النواب على رأيها وجاءت نتيجة التصويت فاضحة - 420 عضوًا وافقوا، ورفض 5 أعضاء، وامتنع 19 عن التصويت!

-فالعلاوة بحد أدنى 65 جنيهًا وأقصى 120 جنيهًا وكل الحوافز والبدلات تحول إلى أرقام ثابتة لن تزيد أبدًا وعلى كل من يعمل بالدولة تدبير احتياجات أسرته بطرق أخرى!

ثم نأتي لقرار شيخ الأزهر بإقالة رئيس جامعة الأزهر من منصبه وتعيين أحد العمداء قائمًا بأعمال الرئيس، ومع احترامي الكامل للدكتور أحمد الطيب ودعمي له في موقفه الوسطي الرافض، لأن يستخدم الأزهر كأداة سياسية لمنح صكوك العذاب أو الغفران ورفضه التام والواثق، لأن يصبح الأزهر مؤسسة تكفيرية لكل من خالفها أو ارتكب الجرائم مهما عظمت، طالما لم يعلن كفره بالإله الواحد فهذا الموضوع يختلف، رئيس جامعة الأزهر أخطأ خطًأ كبيرًا برميه أحد المواطنين بالكفر بسبب آرائه الغريبة، ولا أدري إن كان فعل ذلك بشخصه أم بصفته رئيسًا للجامعة وهو مخطئ في الحالتين لكن رئيس الجامعة لا يقال بقرار.. وهناك طرق لمحاسبته والتعامل مع الجامعة بهذا الشكل يجعلها أقرب إلى الكتاب منها إلى الجامعة..

وشيخ الأزهر بتصرفه هذا يضيف بيده إلى الضغوط التي تتعرض لها جامعة الأزهر حول كونها جامعة مدنية حقيقية في ظل سيطرة المجلس الأعلى للأزهر عليها، وعدم احترام استقلالها الذي حماه الدستور، ثم أخطأ الإمام الأكبر مرة أخرى بمخالفة القانون الذي ينص على تولي أقدم نواب رئيس الجامعة القيام بأعمال الرئيس في حالة غيابه بتكليفه أحد العمداء قائمًا بالأعمال دون نائب الرئيس الأقدم كما ينص القانون فأعطى بيده سلاحًا آخرًا للمتآمرين على الأزهر الذين لن يتركوا تلك الأخطاء تمر دون استخدامها كمعول إضافي في محاولات هدم الأزهر.

والغريب أن هذا حدث في نفس الأسبوع الذي استمر فيه مجلس الدولة في نظر دعوى أعضاء مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات ضد رئيس الجمهورية ووزير التعليم العالي حول اختيار رئيس الجمهورية لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات بالمخالفة للدستور الذي نص على استقلال الجامعات.

هذا الأسبوع أيضًا أنهى أطباء التكليف اعتصامهم بعد استجابة وزارة الصحة أخيرًا أو بعد صدور الأوامر لها بالاستجابة لطلباتهم، لينتهي –ربما- فصل آخر من النزاع السنوي بين الوزارة والخريجين من الأطباء، والذي لا يهتم أحد بوضع نهاية حقيقية له ربما لأن الجميع مستفيدون مما يحدث..

الوزارة استفادت لادعاء التعاون والاستجابة لطلبات الأطباء في النهاية، والنقابة استفادت لادعاء الفوز في المعركة وانتقاء بعض العناصر الجديدة كل سنة من شباب الأطباء للعمل التنظيمي وتوطيد العلاقات من أجل الأصوات، والأطباء أنفسهم استفادوا من أجل تحقيق بعض المكاسب في لحظة لا تتكرر كثيرًا، وهى احتياج الوزارة للتعيينات الجديدة والفوضى الناتجة عن تأخر التعيينات كل ذلك على حساب المرضى ومهنة الطب ومستقبل الأطباء.

لكن أي منصف ينظر للموضوع بنظرة موضوعية ليرى الحقيقة، الحقيقة أن التكليف بهذه الطريقة نظام فاسد قاتل للمرضى ومدمر للأطباء غير موجود في أي دولة أخرى، حيث يؤخذ الخريجين ليلقوا بهم في وحدات صحية لتحمل مسئولية أرواح المرضى دون أي سابقة خبرة أو إشراف تدريبي وادعاء أن هناك تدريبًا لمدة شهر أو شهرين ذر للرماد في العيون.. فالدول المحترمة في الطب لا تسمح لأي طبيب بالممارسة المنفردة للمهنة إلا بعد تدريب على طب الأسرة أو الممارسة العامة لعامين أو ثلاثة في مراكز معتمدة وخوض امتحان ترخيص بالعمل.

هذا النظم يقتل المرضى ويترك الأطباء ليتعلموا بأنفسهم بالتجربة والخطأ في مرضاهم ويتحملوا مسئولية لا قبل لهم بها ظلمًا وعدوانًا، والمفترض أن يتم توزيع الأطباء على برامج تدريبية في التخصصات المختلفة تؤهل لامتحان الترخيص للتخصص تعلن سنويًا بوضوح وشفافية ويتم توزيع الأطباء عليها تبعًا لترتيبهم في امتحان موضوعي موحد للترخيص والتوحيد القياسي لمستوى الخريج الآمن على المرضى لتختفي عندها احتمالات الواسطة والمحسوبية.

إن مهنة الطب ومصالح المرضى بل ومصالح الأطباء تنتهك من أجل مصالح ضيقة آنية لأطراف النزاع، دون النظر إلى مستقبل المهنة أو مستقبل مصر في ظل هذا النظام الذي كان أحد أهم أسباب انهيار المنظومة الصحية.
الجريدة الرسمية