رئيس التحرير
عصام كامل

محمد الخضر حسين يكتب: الفتح العظيم

الشيخ محمد الخضر
الشيخ محمد الخضر حسين


كتب الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر- عام 1956- في مجلة الأزهر بعدد خاص عن شهر رمضان عام 1375 هـ، مقالا بمناسبة ذكرى فتح مكة (20 رمضان عام 8 هـ)، قال فيه:


«كان هذا الشهر مظهر الكتاب الذي هو منار الهداية ومطلع السعادة، وإن شهرا ينزل فيه كتاب يملأ العقول حكمة والقلوب طهارة لذو طلعة مباركة ومقدم كريم.

ومن مزايا هذا الشهر الكريم أنه الشهر الذي فتحت فيه مكة المكرمة، ذلك الفتح الذي علت فيه كلمة الإسلام في البلاد العربية، وعلى أساسه قامت الفتوح الإسلامية في الشرق والغرب، وقد جمع هذا الشهر بين ميزتين عظيمتين:

أولهما الزمن الذي انزل فيه القرآن إلى سماء الدنيا، وثانيهما مظهر الفتح الذي استوثقت به عرى دولة الإسلام حتى حدث سلطانها العادل، وحتى ساست الأمم بشريعة تلائم مصلحة كل زمان ومكان.

وثانيهما أن اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون للناس بين سائر الشهور شهرا يقضون بياض نهاره في عبادة الصوم، واختار أن يكون شهر رمضان هو الشهر الذي تؤدى فيه هذه العبادات ذات الحكمة السامية والثواب الجزيل.

ولعظم ما يترتب على الصيام من إصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق جعلت فريضته من القواعد التي يقوم عليها الإسلام.

أمر الشارع بالانفاق على وجوه الخير، فقد كان رسول الله أجود الناس، يدعو إلى بسط اليد بالمعروف في هذا الشهر حتى يجد الفقراء من إحسان الأسخياء راحة بال، ويقبلوا على الصيام والقيام بنشاط.

أمر الشارع بتلاوة القرآن تمكينا لحجته واستضاءة بنور حكمته، ونبهت السنة في حديث ابن عباس في لقي جبريل للنبي، أنه كان يلقاه كل ليلة في رمضان، والتهجد في جزء من الليل مزية يبعث عند الله مقاما محمودا.

ونبهت السنة أنه من جزاء القيام في ليالي رمضان غفرانا يمحو الذنوب السابقة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر).

وقد توفى رسول الله ولم يكن الناس يجتمعون في صلاة القيام برمضان على إمام واحد حتى عهد عمر بن الخطاب، فأقام أبي بن كعب إماما لهذه الصلاة وجمع الناس على الائتمام به.

وبذلك جمع عمر بن الخطاب الناس على إمام واحد بدلا من فرادى وجماعات، وبفضل الله تعالى بليلة مباركة جعل العمل فيها خيرا من العمل ألف شهر، وهى ليلة القدر.

هذه الأعمال الصالحات التي جعلها الشارع عمارة شهر رمضان من صيام وقيام وتلاوة قرآن وبسط اليد بالمعروف، شأنها تهذيب النفوس وتحبب التقوى وتقودها على السماحة وتهيئها للثبات على صالح الأعمال.

فضل الشهر الكريم بما وصفناه من المزايا، فاستحق اليوم الذي يلي آخر يوم منه أن يكون عيدا، جائزة للمسلمين، تمتلئ فيه قلوب الناس ابتهاجا بما عملوا في هذا الشهر الكريم من خير.

وأي نعمة يصيبها الإنسان في هذه الحياة تساوي نعمة أداء ركن من أركان الإسلام، محفوفا بضروب من أجل الطاعات وأشرف الآداب، وأي ارتياح يساوي في نظر أولى الألباب ارتياح النفس عندما تشعر أنها اتقت الله ما استطاعت، وإنما ترجو ارتياحها لما ترجوه من هذا الخالق، وما يتبعه من عزة في الدنيا وسعادة في الآخرة».
الجريدة الرسمية