رئيس التحرير
عصام كامل

.. وخدش الرونق على الطريقة الأمريكية!


لم أصدق أبدا أن الأرض كروية في أحداثها وشخوصها ومجانينها، واستنساخ المعاتيه من السياسيين حتى في أرض الحريات والأحلام والأوهام المعروفة بالولايات المتحدة، إلا أمس، بل عصر أمس، وأنا اقرأ في الموقع الإلكتروني لمجلة نيوزويك الأمريكية نبأ وضع الكلبشات في معصمي صحفي أمريكي مخضرم، وجه سؤالا بصوت عال عدة مرات لوزير الصحة توم برايس!


الصحفي نفسه غير مصدق، أن يهرول إليه بوليس برلمان ولاية ويست فرجينيا، ويلقي القبض عليه في حضور مستشار البيت الأبيض. كان وزير الصحة والخدمات الإنسانية توم برايس في زيارة للمقر التشريعي "كابيتول" الولاية، والتقاه الصحفي دان هيمان في الطرقة، ووجه إليه السؤال التالي: هل قانون الرعاية الصحية الجديد الذي أقره الكونجرس بديلا لقانون أوباما كير للرعاية الصحية يشمل أو لا يشمل حق الحالات القديمة الخاصة بالعنف العائلي في تكلفة العلاج ويغطيها!؟

ولابد أن الوزير لم يسمع، أو لم ينتبه، أو تجاهل السؤال، وهذا ما يستفز طبع وطبيعة الصحفي في أي مكان ومع أي مسئول بطبيعة الحال. المهم أن دان هيمان العريق في تغطية الشئون الصحية بولاية ويست فرجينيا لحساب Public news service صمم أن يحصل على إجابة، شأن أي صحفي، فهذه وظيفته الأولى في الحياة، فرفع صوته ليثير انتباه الوزير، ولما تجاهله الأخير أخذ يكرر السؤال مرات وبصوت مرتفع، وبعد لحظات من تكرار السؤال ولا جواب، ألقوا القبض عليه وحرر له محضر جنائي، ضمنوه تهمة "الإخلال العمدي بعمليات حكومة الولاية " يعنى إزعاج ومضايقة ومقاطعة ورفع الصوت على السيد الوزير!

بوليس البرلمان قال إن هيمان رفع صوته عاليا، وكان هجوميا في نبرته، مما استوجب القبض عليه.

طبعا الصحافة القومية، بمعني التي تغطي أمريكا كلها، ولا يعني أن الحكومة تملكها، وصحافة الولاية، هبت غاضبين، فأطلقت منظمة اتحاد الحريات المدنية لولاية ويست فرجينيا بيانا قالت فيه: "إن القبض على السيد دان هيمان هو محاولة صارخة لتخويف الصحافة الحرة المستقلة، والاتهامات الموجهة إليه شائنة ومهينة، ويتعين إسقاطها فورا. إن ما تتناساه حكومة الرئيس ترامب اليوم وما نسيه أيضا بوليس برلمان الولاية أن هذه الحكومة تعمل عندنا".

وأضاف البيان صارخا: "هذا يوم أسود للديمقراطية، لكن حكم القانون سوف يسود، والتعديل الأول(من الدستور) سوف يسود".

هذا الخبر وبتفاصيله، فركت عيني لأتاكد أنه من الولايات المتحدة، الوزير أمريكي والصحفي أمريكي. ما المفروض أن يفعل الصحفي إذا تجاهل الوزير سؤاله؟ ينكس رأسه خجلا؟ ينسحب؟ يضع ابتسامة بلهاء على شفتيه؟ يجعل من نفسه أمثولة وأضحوكة الوسط الصحفي والإعلامي ولبانة برامج التوك شو وتوكتوك شو بتاع البراشي؟!

أصلا لا يوجد الصحفي القابل للانسحاب من أي مواجهة مع أي مسئول، أمسك عليه الصحفي خطأ أو خطيئة أو جريمة، وتحت يديه ما يثبت قطعيا، أنه تحت المساءلة الصحفية، وبعدها القضائية! بالطبع يمكن فهم لماذا تصرف الوزير برايس على هذا النحو مع صحفي ألح في طلب إجابة على سؤال يهم الناس؟

استمد العجرفة من عدم احترام ترامب لصحف اتهمها بترويج الأكاذيب، ونهج طريق رئيسه الذي يعتبر الصحافة والإعلام خصوما له، وهم بدورهم يعتبرونه دكتاتورا، وهناك من بدأ العد التنازلي لعزل ترامب إثر قراره المفاجئ بإقالة جيمس كومي رئيس المباحث الفيدرالية FBI الذي يحقق في علاقة ترامب بالمخابرات الروسية، ومدي تدخل الروس في التأثير على فرص نجاح هيلاري كلينتون منافسته في الانتخابات الأخيرة.

وصف معلقون أمريكيون القرار بأنه نيكسوني، نسبة إلى الرئيس الأمريكي المعزول ريتشارد نيكسون الذي تجسس على الحزب الديمقراطي، فيما عرف في سبعينيات القرن الماضي بفضيحة ووتر جيت، كشفها صحفيان في الواشنطن بوست هما بوب وودوارد وكارل برنستين عام ١٩٧٢. عزل نيكسون رئيس لجنة التحقيق معه، فانفضح أمره وخرج موليا نائبه جيرالد فورد الحكم من بعده، وحوكم وأدين وأفرج عنه فورد فيما عرف بصفقة المبادلة !!

عالم ثالث مثلنا في قاذورات السياسة!

السؤال البديهي الآن: ماذا يفعل وزراؤنا إذن في جعورة كتائب الشلق في الإعلام والصحافة المصرية؟ إنهم يخافون ويتحوصلون أمام تافه وقح صوته شكماني النبرة هجومي كنصل لص!

القانون الأمريكي يعاقب على رفع العقيرة وتكرار السؤال، وإرباك عمليات مؤسسات حكومة الولاية؟!
وعندنا قلة الأدب تسبق أي سؤال، بل اتهام المسئول وإدانته، صارت من شروط اللعبة والنجومية وقبض الملايين!
الجريدة الرسمية