رئيس التحرير
عصام كامل

مهمة الرئيس المقبل


كما يحدث مع المرضى تظل مهمة الطبيب الأولى تخفيض درجة الحرارة حتى يكون العلاج ممكنا، هكذا كانت مصر منذ ست سنوات، ولا تزال درجة حرارتها مرتفعة بما يعطل أي علاج أقصد أي إصلاح، وكان الظن أن تلك هي مهمة الإعلام والسياسة في تخفيض درجات التوتر والاستقطاب والتمهيد للانتقال الآمن للاستقرار، فإذا العكس هو الصحيح، بإعلام غير مهني تنقصه الخبرة وبسياسيين هواة ووزراء لا يزالون في فترة تحت التدريب..


وإذا كنا نريد عهدا جديدا في الجمهورية الثانية فلابد أن يكون لدينا الشجاعة لكي نواجه أمراضنا المزمنة وأهمها النفاق، ولعن كل الراحلين الذين كنا ننافقهم لدرجة التأليه، كما فعل رئيس تحرير سابق ورأى أن يوم مولد مبارك كان يوم ميلاد لمصر، وبعد ذلك انصبت كل اللعنات عليه، ثم صار مدهشا للناس بعد ذلك كيف نجح نظام فاسد في أن يكون احتياطيات نقدية بلغت ٥٢،٥ مليار دولار، بينما عندما حكمت أنظمة في غاية الطهر اقتربت مصر من حافة الإفلاس، الأمر الذي دفع العامة لاستدعاء التاريخ القريب والمقارنة بين أحوالهم الآن وما كانوا عليه وهذا حقهم لغياب الحقيقة واحتكار المعلومات ظنا أن الشعب قاصر وتلك المعلومات للكبار فقط..

ولهذا فإن على الرئيس في جمهوريته الثانية أن يبحث عن الكيفية التي يصارح بها الناس مهما كانت الحقائق مرة، وأن يكون البرنامج الانتخابي الجديد هو كيفية الخروج من حالة الإحباط إلى الأمل دون أن يكون ذلك رخصة للتراخي، بمعنى أن يقدم البرنامج رؤية جديدة لمصر الديمقراطية الحديثة المدنية التي تؤمن بالتعددية وفقا لدستورها، الذي يصر البعض على تجاهله والعيش فيما قبل ٢٥ يناير..

وربما يكون الرئيس السيسي هو الوحيد المؤهل لإدارة التحول السياسي الدستوري في تدعيم الإطار السياسي لتيارين أحدهما تقليدي والآخر محافظ كما في جميع الأنظمة الديمقراطية، والإيمان بأن نسب الثلاث تسعات ليست فعلا بشريا وأن المعارضة الوطنية هي الوجه الآخر للحكم دون وأدها وتشويهها واغتيالها وهي في المهد، وسنكون في مأزق ديمقراطي إن لم يتقدم مرشح للمنافسة في الانتخابات الرئاسية دون أن يلقي القدر الكافي من الاحترام والقبول حتى لا تصبح الانتخابات بمثابة استفتاء، لأننا نعيش في محنة حقيقية لعدم وجود معارضة قوية سواء في البرلمان أو خارجه..

وإذا كان أي شخص يملك الحلم والعزم يمكن أن يصل للحكم في أي بلد ديمقراطي، إلا أن المزاج العام في مصر يفضّل من يعرفه ويرفض المغامرة وخاصة لهذا المنصب الحساس، ولهذا فإن مهمة المرشح الجديد هو البحث عن توافقات ومواءمات مع الكتل السياسية والعمل على أن ينال ثقة المؤسسة العسكرية والأجهزة السيادية، وربما تكون فرصة للفصل بين السياسة والعسكرية بنفس القدر الذي نرفض فيه الفصل بين الدين والسياسة، لأن العالم كله يتغير ولم تعد هناك أي فرص للتهرب من استحقاقات الحاضر والمستقبل..

ولم تعد الدولة كما كانت منذ عقود تحتكر امتلاك القوة والمعلومات واختيار معارضيها، وربما تكون البداية لتغيير ثقافة غياب البديل المؤهل لأني أعرف عشرات الأشخاص المؤهلين غير أن معظمهم تتم إزاحته من دوائر التأثير وتقلد المناصب، وربما تكون حكاية "إيمانويل ماكرون" في فرنسا دافعا لظهور أهل الكهف المنسيين..

ذلك أن "ماكرون" لم يكن أحد يعرفه قبل عام واحد وقبل أن يؤسس حركة "إلى الأمام" التي فجرت البانوراما السياسية العتيقة في فرنسا وفجرت الأحزاب الكبيرة اليمينية واليسارية وأطاح بعشرة منافسين كانوا أمامه ليصبح هذا الشاب المغمور صاحب الــــ٣٩ ربيعا رئيسا لفرنسا بالحلم والإرادة، والأهم للأمة الفرنسية الحية القدرة على التغيير السلمي بدون التنطع في ساحات الكفاح بالشوارع..

والتجربة الفرنسية ربما تكون ملهمة للأمم والشعوب الحية لتنضم للعالم الجديد الذي يعيش تحت ضوء الشمس بدون وصاية من أي نوع دينية أو عسكرية، وتلك مهمة الرئيس في الجمهورية الثانية تأمين الانتقال لتأسيس دولة يسود فيها القانون، وتنفذ فيها العدالة، ويعامل فيها المواطن بكرامة وبلا تمييز.. دولة تقدم الخدمات للمواطنين بمستوى لائق، ولهذا فنحن أمام لحظة أخرى وربما أخيرة من التاريخ، إما أن تجتازها بنجاح هذه المرة أو إخفاق كما فعلنا في كل فرصة أتيحت لنا ولم نفعل.
الجريدة الرسمية