رئيس التحرير
عصام كامل

سلامتك يا شيخ سالم!


نقف في الإسلام أمام أربعة مصطلحات أساسية يخلط البعض بينها، وهي الكفر والشرك والإجرام وأهل الكتاب، ولا نعرف-والإسلام هو النموذج في الدقة- أن يقول أحدهم أن الأولى تعني الثانية أو الثالثة تعني الرابعة أو الثانية هي الثالثة إلى آخره؟! كيف يكون الأهلي هو الزمالك مثلا؟!


فالكفر في اللغة هو "التغطية والستر" أي إن ساترا يمنع شيئا عن آخر.. أما الشرك في اللغة فهو اتخاذ شريك مع الله أو ندا له، أما المجرم فمن فعل جرم أي قطع ومعناها من قطع كل صلة له بشىء ما.. فالمجرم في المجتمع من قطع صلته به، والمجرم شرعا من قطع كل صلته بالله، ولذلك قال تعالي عنهم "ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون"، لأنه لا معني لحسابهم، وسؤالهم عن أعمالهم وهم لا يؤمنون بالخالق أو باليوم الآخر أصلا!

أما أهل الكتاب فهم -وبإجماع علماء الشرع واللغة- اليهود والنصاري، ولذلك يذهب كل تعريف في القرآن الكريم إلى فريق بعينه ينطبق عليه المعني، ولا نعرف كيف يكون النصاري كفارا وأهل كتاب في آن واحد؟ ولا نعرف كيف يكونون كفارا بالمعني الذي يقصده الشيخ سالم عبد الجليل والذين معه، بينما يمدحهم القرآن في أكثر من موضع فهم "أقربهم للذين آمنوا" ويعلي من مكانة مريم حتى كانت "خير نساء العالمين" !

وكي نفهم أكثر نذهب للتعريف الاصطلاحي، فالدكتور محمد شحرور المفكر الإسلامي السوري يعرف الكفر مثلا بأنه: "موقف علني واع ضد أمر ما.. شاع استعماله على الأغلب في مجال العقائد، فالكافر بالله هو الملحد المنكر لوجود الله، والكافر بنبوة محمد (ص) ورسالته هو من اتخذ موقفًا علنيًا عدائيًا منه فكذبه وأصر عليه".. ولذلك نجد العامة يعرفون الفرق فنقول مثلا في بلادنا إن المرأة "تكفر بالعشرة" أو "كفرت بنعمة الله" أو "كفرت بالعيش والملح" أو أن شخصا بعينه "كفر بفكرة ما" أو "كفرت بالطب"، ولا يمكن أن تجد من يقول "أشركت بالعشرة" أو "أشركت بنعمة الله" أو "أشركت بالطب" !.. ولذلك تجمع الآية الأولى من سورة البينة بين النوعين فيقول سبحانه وتعالى: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة" وبالتالي فمن المستحيل أن يكون أهل الكتاب هم المشركون أيضا وبنص القرآن!

ويفرق القرآن الكريم بين الذين أوتوا الكتاب وبين الذين آتيناهم.. فيقول سبحانه "وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم" وكذلك "وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة".. أما الذين آتيناهم فتأتي الآيات بذكرهم من مقام المدح فيقول سبحانه: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون"..

لاحظ قوله "فريق منهم" وليس كلهم.. وكقوله تعالي:"الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون".. ونلاحظ أيضا أنهم يتلونه حق تلاوته إلا استثناء منهم وليس جميعهم أيضا، ولكنه سبحانه وتعالي يقول عنهم ما يلي "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".. ويقول عنهم: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" ويأمرنا سبحانه وتعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"..

ونلاحظ المبالغة في التي هي أحسن ولم يقل بالحسني وكقوله "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم" و"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات"..

ويقرر سبحانه أن الحكم الأخير لجلاله فيقول: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد".. ليبقي الحكم له وحده سبحانه وان كان المنطق يقول أن الله لا يحل لنا طعام قوم أو الزواج منهم وهم من أهل النار!

والسؤال: كيف لم يتوقف الشيخ سالم عن كل ذلك؟ وكيف لم يعرف الفروق بين مصطلحات الكفر والشرك والإجرام وأهل الكتاب ؟ بل وكيف لم يعرف الفروق بين المصطلح الواحد مثل "أهل الكتاب" و"الذين أوتوا الكتاب" و"الذين آتيناهم الكتاب"؟! وهل عند الشيخ سالم من السنة والسيرة دليل على معايرة المسيحيين بالكفر؟ أم ليس إلا تقدير وتبجيل في معاهدة المدينة واستقبال السيدة مارية وفي زيارة عمر لبيت المقدس وفي حق العبادة الذي كفله الإسلام للكنائس ولأهلها؟ كيف يا شيخ سالم؟
الجريدة الرسمية