رئيس التحرير
عصام كامل

مستشار الإمام الأكبر: التشكيك في مناهج الأزهر نابع عن جهل.. البعض اختزل تجديد الخطاب الديني في «خطبة مكتوبة».. وهؤلاء أفرغوا الدين من مضمونه وأرادوه ممسوخًا لا روح فيه ولا قلب

الدكتور محمد مهنا،
الدكتور محمد مهنا، مستشار الإمام الأكبر

لا حديث في الآونة الأخيرة يعلو فوق المطالبات المستمرة، بضرورة تجديد الخطاب الديني، وفي الأسابيع الماضية أصبح الأزهر الشريف محل اتهام بالفشل، أو على الأقل التقصير في اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الملف، وهو ما جعل البعض يحمل علماء الأزهر مسئولية العمليات الإرهابية، التي تحصد أرواح الأبرياء من أبناء الوطن، بحجة أن المناهج التي يدرسونها في المراحل التعليمية الأزهرية المختلفة، هي منبع أي فكر متطرف.


وفي هذا السياق، فند الدكتور محمد مهنا، مستشار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والمشرف العام على الرواق الأزهري، مفهوم تجديد الخطاب الديني؛ مستنكرًا ما أسماه «عدم إدراك» البعض لحقيقة هذا المفهوم، وسعي آخرين إلى اختزاله في مجرد خطبة جمعة، مكتوبة كانت أو غير مكتوبة، تلقى على مسامع الناس مرة واحدة كل أسبوع.

تعسف كبير
وأكد الدكتور محمد مهنا، إن مفهوم تجديد الخطاب الديني تعرض لتعسف كبير من قبل الكثيرين، الذين تصور بعض منهم أن هذا المفهوم لا يعني إلا ما يتبادر إلى الذهن من دلالة لغوية، وهو ما جعلهم يختزلونه في خطبة جمعة، تلقى مرة واحدة أسبوعيًا، مكتوبة أو غير مكتوبة.

وأضاف "مهنا": «إن هؤلاء لم يكتفوا باختزال مفهوم تجديد الخطاب الديني في مجرد خطبة جمعة؛ بل أثاروا بشأنها جدلًا وخلافًا، ملأ الدنيا ضجيجًا وصراخًا عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهم بذلك إنما يعكسون واقعًا أليمًا، يجعل من الدين في حياة الأمة مجرد كلام، تتناقله الألسنة بعيدًا عن واقع الحياة؛ مشيرًا إلى أن الدين بمفهوم هؤلاء أضحى في حياتنا المعاصرة ممسوخًا لا روح فيه، ولا قلب ولا حقيقة له، وكذلك لا أصل ولا واقع ولا حضارة له».

كتب التراث
وأوضح مستشار شيخ الأزهر؛ أن البعض الآخر يرى أن الخطاب الديني، هو تلك المعلومات المسجلة، سواء في كتب التراث أو مقررات الدراسة دون إدراك، أن هناك فرق بين العلم والمعلومات، ودون معرفة بالفرق بين المقررات الدراسية والمناهج العلمية؛ مؤكدًا أن هناك فارق كبير بين المنهجية التراثية في التأصيل والفهم، وبين النزعة الحداثية في التحليل والجدل، وعدم إدراك هذا الفارق جعل هؤلاء يمزقون عبر شاشات التلفاز وفوق صفحات الجرائد، تراث الأمة، ويشككون في مناهجها العلمية، ويقدحون في مقررات أزهرها الشريف.

الأحكام الشرعية
وأكد «مهنا»، إن هناك فريق ثالث تعسف في تحديد مفهوم الخطاب الديني، فقصره على الأحكام الشرعية؛ مختزلًا بذلك الشريعة الإسلامية إلى مجرد أوامر ونواهي وأحكام وزواجر، وناسيًا أو متناسيًا أن تلك الشريعة، إنما هي صياغة للحياة بكافة مظاهرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، قائلًا: «الشريعة الإسلامية حكمة قبل أن تكون حكمًا، وروح قبل أن تكون أمرًا، وأخلاق قبل أن تكون قانونًا».

معنى شامل
وأوضح مستشار شيخ الأزهر؛ أن الرؤى والأطروحات تعددت حول تجديد الخطاب الديني، دون إدراك حقيقي لهذا المفهوم بمعناه الشامل، باعتباره مرجعية للعلم ومنهجية في التفكير وأساس للحياة وطريقة في التعبير، موضحًا: «الذين لا يدركون المفهوم الحقيقي لتجديد الخطاب الديني غاب عنهم البعد العلمي المعرفي للدين الشامل لعالم الشهادة والغيب، متضمنًا لأدوات المعرفة القادرة على إدراك الغيب والإيمان به بنفس القدرة على إدراك العالم الحسي والبرهان عليه؛ كما غاب عنهم وظيفة الدين في ضبط حركة الحياة ودفعها للتقدم».
الجريدة الرسمية