لماذا لم يترشح جابر نصار؟
منذ قليل تم إغلاق باب التقدم لمنصب رئيس جامعة القاهرة.. سن الأستاذ الجليل الناجح في تخصصه والناجح في عمله الخاص كان يسمح له بأربع سنوات كاملة. لذا السؤال مشروع ويعبر عن تجربة ناجحة وقائمة إنجازات – رغم التحديات والصعاب- في وقت قصير. لماذا لم يترشح للمنصب د. جابر نصار؟
طرح السؤال في حد ذاته قمة النجاح، وهو سؤال مستحق لأنه تحقق بإنجازات تمت (دون تنظير وتشكيل لجان، وخطط سنوية، وحوار مجتمعي وما شابه من عناوين عريضة جديدة نراها كثيرا من حولنا وفي مؤسسات مؤثرة في حياة المواطنين دون إنجاز حقيقي وملموس على أرض الواقع) منها تنظيف الجامعة من بؤر التطرف بإغلاق الزوايا، والإصرار على منع التدريس بالنقاب، ثم إتاحة الفن الراقي والكتب وعقد الندوات الثقافية الموسعة داخل أسوار الجامعة، وبالطبع محاربة الفساد والترهل فتم رفع رصيد الجامعة من مدين إلى نحو ملياري جنيه جزء منها بالعملة الصعبة، وهي معارك أكسبت د. جابر قائمة أعداء شرسين وأفقدته بشكل تلقائي عددا من الأصدقاء الذين لم يكونوا ليتخيلوا أن يلحق بهم ضرر شخصي في عهده.
كذلك يعد إنجازا لنصار تنظيف الجامعة من فيروس سي وإرساء مبدأ التواصل مع الجميع بسرعة غير تقليدية فعبر صفحته الشخصية التي يديرها بنفسه بدون "أدمن" تم التواصل مباشرة مع الأساتذة، والموظفين، والطلبة وحل ومشكلاتهم أو شرحها لهم وتلبية مطلب شعبي ثابت بين الطلبة متمثلا في طلب "التصوير مع د. جابر" (في مقابل مؤسسات مناظرة ربما لا يعرف غالبية الطلبة ملامح رئيسها من الأساس).
ويمكن أن تمثل السطور التالية نموذجا على حوار على فيس بوك مع موظف ربما لو كان في جامعة أخرى كان سيجد صعوبة بالغة في تحديد موعد له لمقابلة رئيس الجامعة:
الموظف: "ليه حضرتك بتفرض تحليل فيروس سي عليّ كموظف أنا ما`بحبحش الحقن ولا يمكن هعمل التحليل ده ولو فيها فصلي أنا عندي مبدأ لو مرضت يبقى إما أعيش أو أغور في ستين داهية، لكن ما فيش دكتور يتحكم فيّ، وفي داهية التأمين الصحي".
رئيس الجامعة النموذج المنتهية ولايته بإرادته د. جابر لم يحل الموظف للتحقيق أو يتجاهل التعليق أو يجرح مشاعره بنص لائحة أو تنبيه إلى أن العدوى ستلحق بالجميع وستكلف الدولة علاجا باهظا ورد بما يلي: "عشان بنحبك وبنخاف عليك وأنت مهم لنا وعشان ده حقك علينا ربنا يشفي كل مريض والعلاج بقى سهل ما فيش فيه حقن كله برشام".
وفي رأيي من الإنجازات التي لو لم يفعل د. جابر في مسيرته سواه لكفاه مستوى النظافة في جامعة القاهرة، في كل يوم وفي كل وقت. مستوى النظافة تحقق أولا وقبل كل شيء بفضل تعميقه لقيمة الانتماء لدى الطلاب. فليس زيادة عدد سلات المهملات وطبيعة تصميمها هو السبب، ولا حتى الجهد الضخم للقائمين على النظافة، بل الشعور بالانتماء والفخر بالمكان نشر السلوك الحضاري على الأقل داخل الحرم الجامعي، مما أتاح لرئيس الجامعة إلغاء التعاقد مع شركة نظافة كان يتم تخصيص ميزانية لها في حدود المليون ونصف مليون جنيه.
في السياق نفسه يمكن القول بأن التشجير والحفاظ عليه في جامعة القاهرة كان جيدا جدا، وإن كنت أتمنى أن يقود رئيس الجامعة حتى يوليو القادم حملة تعريفية – من خلال لافتات صغيرة أنيقة منفصلة عن جسم كل شجرة تعرّف بالأشجار النادرة داخل الجامعة وتقدم للطلبة وأعضاء هيئة التدريس والعاملين بالجامعة والزوار نبذة بسيطة عن تاريخ كل شجرة أو زهرة وأهم سماتها وموطنها الأصلي وتاريخ دخولها مصر.
نظافة اليد والشفافية تمت ترجمتها لترشيد واضح في البدلات ووسيلة الانتقال المخصصة لرئيس الجامعة، وكذلك عبّر عنه تكريم الإعلامي جابر القرموطي للدكتور الجليل ففي بداية ولايته طلب الإعلامي من رئيس الجامعة طلب شخصي بسيط، لكنه يحمل في طياته استثناءً، فكان الرد الواضح "لا استثناءات"، وكان تعليق الإعلامي المحنك يحمل نبرة تهديد ووعيد "سنتابع ونرى..ما إذا كانت هناك استثناءت"! وجاءت النتيجة عملية في تكريم الإعلامي أمام الكاميرات للدكتور جابر، مما يعكس نصاعة ونظافة تجربة تحترم أعلى فيها رئيس الجامعة المصلحة العامة فتحقق النجاح وحاز احترام الجميع.
وسيبقى السؤال: لماذا لم يترشح جابر نصار؟
ربما اختار أن يتحرك طواعية من منصبه وهو في قمة النجاح، وربما لاحظ أن قائمة المتربصين والحاقدين قد طالت بعد إشادة الرئيس شخصيا علنا بالتجربة. ربما في جميع الأحوال هي تجربة تستحق التأمل والدعم والتصدير لدوائر أرحب بصرف النظر عن الشخص إلى سيطبقها..لأنها ببساطة تجربة تؤكد أنه لا يزال هناك أمل، ولا تزال هناك فرص للإصلاح.