رئيس التحرير
عصام كامل

سوريا.. والثقة بالحليف الروسي !!


في البداية لابد من التأكيد أن سياسة التحالفات السورية سواء الإقليمية أو الدولية ليست وليدة الأزمة الراهنة، ومن يرى ذلك من المؤكد أنه يجهل تاريخ سوريا، وبالتالى لا يمكنه أن يصدر أحكاما قاطعة أو حتى شبه قاطعة فيما يتعلق بثقة سوريا في حلفائها خلال اللحظة الراهنة وفى مقدمتهم الحليف الروسى، ولمن يرغب في التعرف على سياسة التحالفات السورية خلال القرن الماضى يمكنه العودة للكتاب المهم للدكتور بشار الجعفري- فارس الدبلوماسية العربية السورية ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة -تحت عنوان "سياسة التحالفات السورية 1918 – 1982 " الذي صدر الجزء الأول منه في أبريل 2015 عن دار نشر بيسان ببيروت والذي وعدنا بجزء ثان يغطى الفترة الزمنية من 1983 حتى الآن.


ومن خلال قراءة متعمقة في تاريخ سياسة التحالفات السورية يمكننا التأكيد بما لا يدع مجال للشك أن سوريا استطاعت بناء مجموعة من التحالفات الاستراتيجية القوية سواء كان إقليميا مع إيران أو دوليا مع روسيا، دون أن تفقد هويتها وأيديولوجيها، وكما يؤكد بشار الجعفري:

"فقد تميزت سياستها في مضمار الأحلاف بقدرة فائقة على المناورة التي تسمح لها بالانتقال من الصلابة إلى المرونة وبالعكس، ومن الواقعية إلى المثالية وبالعكس أيضا، كل ذلك بقصد الدفاع عن ثوابت أساسية فهى متشددة وصلبة وراديكالية عندما يتعلق الأمر بشئون استراتيجية، وتتحول إلى المرونة عندما تقترب من الأشياء التكتيكية"..

وسياستها التحالفيه قائمة بشكل أساسي على قدرتها على التمييز بين مصالحها ومصالح حليفها، وعدم تحول هذه التحالفات إلى هيمنة أو تبعية أو سلب للإرادة الوطنية أو العجز عن اتخاذ القرار بشكل منفرد في بعض الأحيان.

وفيما يتعلق بالتحالف السورى– الروسي فقد جاء نتيجة تطور تاريخى بدأ بالنظرة العاطفية في الخمسينيات، ثم تطور إلى تعاون سياسي واقتصادى مع التقارب الأيديولوجي في الستينيات، ثم جاءت السبعينيات والثمانينيات لتشهد تحولا كبيرا على كل المستويات، حيث تحول التعاون إلى تحالف تعاقدى "معاهدة الصداقة والتعاون"..

ويؤكد بشار الجعفري أنه: "ورغم التعامل الودى وتقارب تحليلات الطرفين للحوادث فإن ذلك لم يمنع خلافات في الرأى بين موسكو ودمشق، بحيث يتم ضغطها لصالح التفاهم الشامل، ولذلك فإن كلا من العاصمتين السوفيتية والسورية حريصتان على المحافظة على العلاقات الثنائية لإدراكهما أهمية هذه العلاقات وضرورة إكسائها برداء واق ضد الصدمات والكدمات".

وظل التحالف السورى– الروسي قائما على المصالح المشتركة، حيث التنسيق والتشاور والتفاعل المستمر دون محاولة من الدولة العظمى فرض أي هيمنة تحول بها الدولة الصغرى إلى دولة تابعة مسلوبة الإرادة وغير قادرة على اتخاذ قرارها، لذلك صمدت العلاقة التحالفية لسنوات طويلة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتحليق الولايات المتحدة الأمريكية منفردة كقطب أوحد على الساحة الدولية.

وقبل بروز الأزمة السورية الراهنة كانت العلاقات بين الحليفين قد وصلت إلى أعلى درجات التفاهم، فسوريا كانت قد تمكنت من بناء اقتصاد قوى اقترب من الاكتفاء الذاتى، هذا إلى جانب أنها الدولة العربية الوحيدة التي ليس عليها ولا دولار دين خارجى، وكانت مستقلة في قرارها السياسي، حيث حسمت خيارها لدعم المقاومة في مواجهة العدو الصهيونى كخيار استراتيجي، لذلك عندما مارست الولايات المتحدة الأمريكية كل ضغوطها لتتخلى سوريا عن مشروعها القومى العروبي المقاوم فشلت في ذلك، وعندما طلب من سورية أن تسمح بخط الغاز القطرى بالمرور عبر أراضيها كمقدمة لوصوله لأوروبا عبر الأراضى التركية رفضت أيضا احتراما لتحالفها الاستراتيجي مع روسيا، حيث سيؤدى ذلك إلى أضرار كبيرة لاقتصاد الحليف الروسي المصدر الأول للغاز إلى أوروبا، بالإضافة إلى أن سورية سمحت للحليف الروسي إقامة قاعدته العسكرية البحرية الوحيدة في البحر المتوسط في ميناء طرطوس وهى موطئ القدم الوحيد لروسيا في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.

لذلك عندما بدأت الحرب الكونية على سورية وقف الحليف الروسي أولا ليدافع عن مصالحه وثانيا لرد الجميل للحليف السورى الذي لم يخذله يوما، وعندما كان يشكك البعض في الموقف الروسي وأنهم سيتخلون عن سوريا في أي لحظة، كنا نؤكد أن من يردد هذه الادعاءات إما جاهل بطبيعة التحالف السورى– الروسي، وإما مغرض يحاول النيل من الروح المعنوية للشعب والجيش العربي السورى، ومرت السنوات ومازالت هذه الصيحات تصدر بين الحين والحين، لكننا نؤكد الثقة الكاملة في الحليف الروسي الذي منحته الأزمة السورية قبلة الحياة ليعود من جديد قطب مؤثر فى الساحة الدولية التي انفرد بها الأمريكى لما يزيد على عقدين من الزمان، كما نثق في القيادة السياسية السورية التي تمكنت من بناء تحالفات استراتيجية قوية مكنتها من إفشال المؤامرة الكونية على سوريا العربية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية