رئيس التحرير
عصام كامل

هل أساء الأمريكيون فهم الإخوان؟


هل أساء الأمريكيون فهم سياسة الإخوان؟ وهل ينبغى على الأمريكيين الاعتذار بسبب دعمهم للإخوان؟ الإجابة قطعاً هى بالنفي، خاصة وأن الإخوان كانوا ولا يزالون جماعة ذات عقيدة تقوم على الشريعة الإسلامية، والذى تغير فى الأمر هو خروجهم من السرية إلى العلن، واشنطن أعطتهم فرصة اختبار ديمقراطية الصناديق لكن هذا لا يعنى أنها تدافع عن سياستهم. ومصيرهم الإخوان سيتحدد فى الانتخابات المقبلة.


إن تدهور السياسة المصرية حفزت بصورة مكثفة حالة الاستقطاب بين الإسلاميين وخصومهم، مهى الحالة التى امتدت على نحو متزايد فى النزاعات التحليلية، فبعض الليبراليين الذين كانوا فى الأساس يؤيدون الإخوان المسلمين ضد قمع نظام مبارك بدأوا يتراجعون عن تأييدهم، حتى أن بعضهم يكتبون على صفحاتهم على الفيسبوك أن عليهم الاعتذار للشعب عن دعمهم السابق للإخوان.

لا مدعاة إذاً للاعتذار، حيث إن الإجماع الأكاديمى بشأن الإخوان تناول الأمور الأساسية للجماعة بشكل صحيح، على الأقل ما كانت عليه قبل الثورة وقبل عام 2011، كما أن أكاديميين والمحللين الأمريكيين رصدوا بشكل صحيح صراعات فصائل الجماعة الداخلية وتطورها الأيديولوجى وقدراتها الانتخابية ونزاعاتها مع تنظيم القاعدة والسلفيين المتشددين والتوترات بين الطموحات الديمقراطية والاتجاهات غير الليبرالية.

لكن منح الجماعة الفرصة للمشاركة بشكل كامل فى العملية الديمقراطية لا يعنى منحها تبريرا لممارسات سيئة وهى فى السلطة، أو السماح لها بانتهاك التعددية والتسامح أو القيم العالمية، وهذا هو السبب الذى يجعلنى راغبا فى أن أرى العملية الانتخابية فى مصر تستمر وأن تتم معاقبة الإخوان فى صناديق الاقتراع على فشلهم الواضح، معظم المحللين رأوا فى جماعة الإخوان فى السنوات التى تلت عام 2000، قوة ديمقراطية لكنها غير ليبرالية، حينها شاركت الجماعة فى انتخابات برلمانية ونقابية وطلابية.

وبدا لى أنه لم يكن هناك شيء أكثر يمكن القيام به لإظهار التزام الجماعة بالعملية الديمقراطية فى ظل غياب فرصة فعلية للفوز فى الانتخابات أو أن تصل للحكم. وأعتقد أن ذلك كان صائبا، لكن التزام الجماعة بالعملية الديمقراطية لم يترجم أبدا لالتزام بالتقاليد الديمقراطية أو الليبرالية المتعارف عليها، وأن التوتر بين التزامها بالشريعة ومشاركتها فى العملية الديمقراطية لم يكن يشكل خطورة وهى خارج السلطة.

إن التزام الإخوان بالإجراءات الديمقراطية لم يترجم فعلا الى الالتزام بالقواعد الديمقراطية أو الليبرالية، ومن الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين تعانى من حالة من التوتر وتعيش حالة من الصراع بين التزامها بالشريعة الإسلامية وبين مشاركتها فى انتخابات ديمقراطية، وعدم تمكنهم من تحقيق فوز عريض فى الانتخابات السابقة، سمح للإخوان بتجنب مواجهة هذه الفجوة، حتى أنهم وجدوا أنفسهم فى كثير من الأحيان يسقطون فى شرك الخلافات العامة حول نواياهم الحقيقية.

فعلى سبيل المثال، مع إطلاق مشروع برنامج حزبهم السياسى فى عام 2007، ألمح الإخوان إلى أنهم ألمح سيدفعون الدولة نحو مراجعة التشريعات من أجل الامتثال بالشريعة الإسلامية، وأكدوا رفضهم أن يتولى منصب رئيس الدولة امرأة أو مواطن غير مسلم، واليوم يقولون عكس ذلك.

أما بالنسبة لأفكارهم تجاه الليبرالية، فلا أحد يشك فى أنه من الواضح أن الإخوان كحركة اسلامية، يظهرون ميلاً نحو إقامة مجتمع متحفظ، لكن السؤال الحقيقى يتعلق بمدى قبولهم بتحمل وجهات النظر المناوئة والمعارضة لهم، وهو ما يثير كثيراً من الشكوك العميقة داخل أوساط النخبة وفى كافة نواحى الأوساط الأكاديمية.

إن أكثر الأمور مفاجأة فى أداء الجماعة بعد2011 هو انعدام الكفاءة الواضح، حيث كان سلوكها فى السلطة وفترة ما بعد الثورة مدمر بشكل كبير لتوافق اجتماعى أكثر اتساعا، ومسئول عن الاستقطاب وشلل المؤسسات وإقصاء العديدين بدءا من السلفيين وانتهاء بالليبراليين الثوريين، وما حدث للجماعة، يكمن جزئيا فى أن هجوم نظام مبارك الحاد على الجماعة بعد تحقيقها مكاسب كبيرة فى انتخابات 2005، الذى شمل اعتقال قادتها ومصادرة أموالها وهجومًا إعلاميًا عليها، أدى إلى سيطرة الجناح الأكثر محافظة عليها، الذى فضل العمل الدعوى والخيرى على المشاركة السياسية.

وعند قيام الثورة كانت شخصيات قيادية وشبان أكثر انفتاحًا وحكمة واعتدالًا فى الجماعة قد انفصلوا عنها، أو خضعوا للقيادة المحافظة التى هيمنت عليها شخصيات حذرة متشككة بشكل مرضى ومتصلبة أيديولوجيا وقليلة الخبرة بشأن بناء شراكة متخطية للأيديولوجية أو التوصل لحلول توافقية، كما أن جزءا آخر من الإجابة فى أن استراتيجية وأيديولوجية وتنظيم الجماعة كان مبنيا على أن فوزها بالحكم غير وارد، وأنها لم تكن مستعدة للتغيير الذى منحته الثورة لها، وتجلى ذلك فى عدم رغبتها أو قدرتها على التواصل مع الاتجاهات الأخرى، وسلوكها وخطابها الفظ الذى يزيد من الطائفية والتشرذم الاجتماعى وضبابية الاقتصاد وعنف الشارع.

إن هناك مزيجاً غريباً من من البارانويا والغطرسة الذى يسود الجماعة، وذلك فى الوقت الذى تجد فيه الجماعة نفسها محاصرة من جميع الجهات، وتواجه تهديدات تتعلق بوجودها من الخارج والداخل، وتصارع العداء المتأصل لها فى مؤسسات الدولة ومعارضين سياسيين مستعدين لحرق مصر لمنع نجاحها، وهذا الوضع يتواءم والخبرة الحياتية للحرس القديم المهيمن على مكتب إرشاد الجماعة، ولكنه أسوأ وضع للمجال السياسى المصرى الجديد المضطرب المحتقن وغير القابل للتنبؤ بمساره.

* نقلاً عن فورين بوليسي

الجريدة الرسمية