رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى عنز يكتب: الشعراء والغاوون

مصطفى عنز
مصطفى عنز

عندما كنت صغيرًا لفت سمعى قبل نظرى تلك الآية القرأنية {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}.

والتي نزلت في نهاية سورة الشعراء، ولم يهدأ لي بال حتى تساءلت عن معاني تلك الآية، وقمت بالاتصال بأحد البرامج الدينية، التي كانت تذاع في ذلك الوقت مباشرة على إحدى شاشات التليفزيون، وفسر لي الشيخ الذي كان يقدم البرنامج الديني الآية، وقال: إن السورة بأكملها نزلت في شعراء الكفار، الذين كانوا يهجون رسول الله، وتكلموا بالكذب وبالباطل، وقالوا: «نحن نقول مثل ما يقول محمدا»، وقالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم، حين يهجون النبي وأصحابه، ويروون عنهم، وأكد لي وقتها أن الشعر ليس حرامًا، حيث أوضح أن الشعر ليس مولودًا حديثًا، بل هرم كبير منذ مئات السنين، فكان لسان الكثير من النقاد في القرون الوسطى؛ للتعبير عن أحداث يعايشونها أمام الحكام والملوك.

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت أحد الغاوين، الذين يحبون الشعر، رغم قلة حضوري الأمسيات الشعرية المختلفة، فوجدت أن للشعر العربي دور بارز في الحياة الأدبية والفكرية والسياسية، وعلمت أن هناك أنواعا متعددة للشعر، ومنها: شعر الوصف، وشعر الأطلال، وشعر الغزل العذري، والشعر السياسي، والشعر الصوفى، والشعر الاجتماعى والوطنى، وشعر الموشحات، والشعر المعاصر الحديث.

ولا أخفي عليكم سرًا، فقد حاولت في بداية طريقى كتابة الشعر، ولكنى وجدته بحرًا وسعًا يظل من يبحر فيه سنوات ولا يصل، وكنت دائم التردد على قصور الثقافة والأمسيات الشعرية المختلفة، ولكن دوام الحال من المحال!

ومع ذلك، فقد وجدت أن هناك شعراء بغير شعر، وهناك شعر بغير شعراء، أي أنه هناك الكثير ممن ينتحلون تلك الصفة، ولا يمتلكون الموهبة، وأيضًا التقيت بأشخاص هدفهم الأول والأخير الشهرة وجني الأموال.

عزيزي الشاعر، اسمح لي أن أقول لك أننا نفتقد الآن إلى المادة الخام للشعر، والتي تتشكل منها خميرة ذلك الفن، وقابليته التشكيلية والتعبيرية، فكان في الماضى القريب الشعر هو المتحدث باسم أغلبية الفقراء والكادحين من أبناء الشعب المصري، وكان هو اللسان المعبر عن الأحداث التي كان يعيشها المواطن قبل أن تأتى وسائل الإعلام وتكون هي لسان "الحكومة".

نحتاج إلى شعراء بقدر أحمد شوقى، وإبراهيم ناجى، وحافظ إبراهيم، وأحمد رامى، والأبنودى، وعم نجم، وسيد حجاب، هؤلاء الشعراء الذين لن يكررهم الزمان مرة أخرى، والذين استطاعوا أن يتركوا إرثًا كبيرًا من الأعمال الفنية الخالدة، وأن يضعوا في مصر والوطن العربى بأكمله علامة مميزة.

وأوجه للشعراء الجدد من أبناء جيلى والذين مازالوا يدرسون في "سنة أولى شِعر" نصيحة بأن يسعوا دائمًا من أجل التطور والتجديد، وأن يعضوا على موهبتهم بالنواجذ، وعليهم أن يظلوا يتعلموا وإن صاروا كبارًا، فالإنسان يموت ويفنى وهو ناقص علم، عليهم أن يثقلوا موهبتهم بحضور الأمسيات الشعرية في قصور الثقافة المختلفة، وطلب المساعدة من الشعراء الذين هم أكثر منهم دراسة، فالإيمان بدون عقيده كفر، والعلم بدون ثقافة جهل، والعمل بدون جهد غش، والحياة بدون هدف لا قيمة لها !!

وفى النهاية.. كثر عدد الشعراء وقلت جودة الشعر، وذلك بسبب سعى البعض منهم وراء الشهرة وجنى الأموال، أصبح بعضهم متعال، وهو ما زال في بداية الطريق فكيف يكون إذا وصل ؟؟
الجريدة الرسمية