رئيس التحرير
عصام كامل

البابا يعيد الاعتبار للأزهر


عناق الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان وتعلقهما ببعض كانت أبلغ من أي حوارات، وكأن البابا فرانسيس أراد أن يطبطب على الشيخ الطيب ويرد له الاعتبار من ظلم ذوي القربى، خاصة بعد التجاهل الإعلامي لمؤتمر الأزهر للسلام، وفجأة تحولت كل الفضائيات والمواقع والصحف لتغطية زيارة البابا والتي تزامنت مع عقد المؤتمر، وبعد ذلك بعدة ساعات كانت قاعة الاحتفالات بعيد العمال ترتج من التصفيق لحظة دخول الإمام الأكبر في رد فعل تلقائي وعفوي، وكأن هذا التصفيق اعتذارا للأزهر وشيخة من تلك الحملة السافلة التي أرادت إقصاءه...


كانت زيارة البابا بعد مرور سبعة عشر عامًا على الزيارة الأولى للبابا يوحنا بولس الثاني في فبراير عام ٢٠٠٠، وكان من اللافت للتأمل أن أول زيارة للبابا تواضروس بعد رسامته لخارج مصر هي للفاتيكان لتأكيد المحبة بين كنيستي القبطية والكنيسة الكاثوليكية، ثم أن الزيارة بعد خمس سنوات من تجميد التواصل مع الفاتيكان بسبب تصريحات البابا السابق بندكت السادس عشر والتي اعتبرها الأزهر إهانة للإسلام، وتحرض على الكراهية، حتى قام الإمام الأكبر بزيارة للفاتيكان العام الماضي..

غير أن الكلام الذي قيل خلال زيارة البابا فرانسيس وما قاله الإمام الأكبر في كلمته للمؤتمر أو في حضور البابا من القوة والمنطق ما يقطع الطريق على حملة التأويلات الفاسدة، وذكر الإمام بأن البابا جاء استجابة لدعوة الأزهر وليس أية مؤسسة أخرى وهي النقطة التي تجاهلتها تقريبا كل التغطية الإعلامية والسياسية لزيارة الحبر الأعظم، ثم كانت النقطة الجوهرية في أبلغ رد على دعوى الإرهاب ولصقه بالإسلام بقوله:

(تحاكم الأديان بجرائم قلة عابثة من المؤمنين بهذا الدين أو ذاك فليس الإسلام دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لاختطاف بعض نصوصه وأولوها تأويلا فاسدا ثم راحوا يسفكون بها الدماء ويقتلون الأبرياء ويروعون الآمنين ويعيثون في الأرض فسادا ويحدون من يمدهم بالمال والسلاح والتدريب).

ثم سجل اتهامه للقوى الكبرى بأنها وراء هذه المآسي، مشيرا إلى أن الجرائم المروعة التي ارتكبتها الحضارة المسيحية ضد الإنسانية وقتل ملايين البشر باسم المسيح فيما عرف بالحملات الصليبية، وكذلك أتباع اليهود الذين قتلوا الآلاف في فلسطين، والحضارة الأمريكية التي قتلت الملايين بالقنابل الذرية، مؤكدا أنه لا يحمل المسيحية ولا اليهودية ولا حتى المشارك الأمريكية المسئولية وإنما يتحملها التطرّف والغُلو الذي ينشأ داخلها والتطبيق الفاسد المنحرف ولا يعبر عن جوهرها، فكل الأديان اخترقتها الأطراف ومارس بعض الاتباع الإرهاب وسفكوا الدماء..

ثم كان النداء العالمي الرائع فلنسع معا من أجل المستضعفين والجائعين والخائفين والأسري المعذبين في الأرض دون فرز ولا تصنيف ولا تمييز، وإذا كان الأزهر قد أحرز مكاسب كبيرة في معركة الخارج، تبقى معركته في الداخل أكبر خاصة فيما يتردد عن قانون الأزهر الجديد، الذي يتم التمهيد له بقصف إعلامي غير مهني وغير أخلاقي، بل وجاء بنتيجة عكس ما أريد له..

ويتلخص مشروع القانون الجديد في حل الكليات العملية وحل جامعة الأزهر وتجميع الكليات النظرية في جامعة يطلق عليها جامعة الإمام محمد عبده.. وحل المرحلة الإعدادية من التعليم الأزهري.. وبينما يحدث ذلك لأهم منصة مصرية واحد قوتها الناعمة في العالم يضع الضمير العالمي الأمل فيه لصياغة فلسفة المؤاخاة والتراحم، ولن يحدث ذلك إلا بتكاتف الأزهر والفاتيكان والكنيسة القبطية المصرية بما لها من خصوصية وتفرد، لأن المسيحية العربية ليست نبتة غريبة في الشرق أو عابرة، ولكنها نبت أصيل ومن المنطقة انطلق التبشير لهداية الأمم الوثنية، وكيف حاربت روما الدولة المسيحية العربية الأولى مملكتي تدمر في سوريا ومملكة المناذرة والغساسنة واتهمتها بالهرطقة لاعتقادهم بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح عليه السلام..

وبشكل عام فهناك تاريخ وطني مشرف للمسيحية العربية وللكنيسة القبطية المصرية ولكن للأسف هناك تعتيم كامل على الأدوار الرائعة للمسيحية العربية التي رفضت الاحتلال والحملات الصليبية ووقوف بل اشتراك المسيحيين العرب في صد الحملات الصليبية إلى جانب المسلمين ولمدة ١٥٤ عاما بين ١٠٩٦ إلى سنة ١٢٧٠..

وهكذا كان تجهيل التاريخ المشرف للمسيحية العربية مقصودا للفتن والزاد لتجار الأديان، وهو تقريبا ما يراد لمحو تاريخ الأزهر، لتجريد هذا البلد من أهم أسلحته الناعمة من أزهر وكنيسة قبطية.. لكل هذا كانت زيارة البابا فرانسيس للدكتور أحمد طيب رد اعتبار لكنيستي مهد المسيحية ولأزهرنا الشريف.

الجريدة الرسمية