رئيس التحرير
عصام كامل

نفسية رجال الشرطة!


يعلم الشعب المصري كله جسامة التضحيات التي تقدمها الشرطة المصرية، طوال السنوات الست الماضية، وحتى اليوم، ومع ذلك فإن هناك من يردد بوجود شعور لدى أبناء الشرطة بأنهم ينزفون ولا أحد يشعر بالجراح التي تنتشر ليس فقط بأجسادهم بل أيضا بأرواحهم وبيوتهم ومعنوياتهم.


تحارب الشرطة المصرية على جبهات عديدة، تقاتل على الحدود جنبا إلى جنب مع رجال القوات المسلحة، وفي الداخل تواجه عصابات الإرهاب، وتقتحم وتحبط عمليات الإخوان القذرة وأوكارهم، وهي تخدم الشعب في الجوازات وفي المطارات وفي الأقسام، وفي حفظ الأمن الجنائي والأمن السياسي ليلا ونهارا، وكلنا عرفنا معنى الخوف والقلق والسهر والعذاب وبيد كل منا شومة أو سكين أو سلاح للدفاع عن بيوتنا وأعراضنا في الأيام والشهور التي بدأت بالخامس والعشرين من يناير!

أخطر شعور يمكن أن ينتاب إنسانا هو أن يلقى النكران والاستهانة بما يقدمه من عطاء، فما بالك برجال يقدمون أرواحهم عطاء لجاحد أو مستهين؟

المعنويات هي وقود النصر في الحروب، وفي الرياضة وفي الإنتاج، بل في الحب، وهي أشد طلبا وضرورة وقت الريبة السياسية والأمنية، فحين يشتبه الأمر على الوطن في تحديد من هو العدو: من أهل بلدي، أم أجنبي، يصير الالتباس في حد ذاته عبئا قاصما له وطأة نفسية وتكلفة معنوية.. من أين أتى هذا الشعور الذي تكلم عنه الإعلامي تامر أمين والصحفي أحمد موسى على التوالي في برنامجين متتابعين عن إحساس رجال في الشرطة بأنهم دوما موضع اتهام بالتقصير والغفلة، وزجر وشماتة أحيانا !!

الحق أني صدمنى أن يتناول تامر أمين الموضوع من ناحية أن هناك حزنا أوفر حين يسقط شهيد من أبناء القوات المسلحة لا يشعر بمثله أبناء الشرطة! ومع احترامي فهذا طرح لا يجوز وفيه توسيع لرسالة فتنة تجاوزت فطنة تامر أمين وهو الفطين، وصحيح أن أحمد موسى تناول الموضوع ذاته، لكنه لم يقع في فخ التمييز! مع ذلك، فإن السؤال الذي كان يجب طرحه، حتى أمام ضابط الشرطة الذي فتح قلبه لموسى هو: من أين جاءك الشعور بعدم تقدير الشعب المصري؟ أن قلوبنا كلنا تبكي مع كل خبر فيه استشهاد لجندي شرطة أو أمين شرطة أو ضابط شرطة.. ينقلب اليوم نكدا وسوادا ودموعا، ونشيع الجثامين ونصرخ طالبين الانتقام.. لا يوجد أب يشمت في ابنه، ولا أم تشمت في ابنها ولا أخ يشمت في أخيه، كلكم أبناؤنا، ونحن أولى بكم فكيف نستهين بتضحياتكم؟ !

أظن أن الشعور متسلل من صفحات الإخوان وأنجاس أبريل، ومن ألسنة صفراء لبعض الإعلاميين الجهلة، أو السنة غير مهنية لإعلاميي الصدفة الغبية التي حطت على سوق المهنة منذ الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١.

لا يجوز أبدا أن نوسع دائرة الشعور بالجحود، لأن التقدير والعرفان والامتنان أوسع وأشمل واعمق لدى الشعب ولدى السلطة ولدي الدولة.. يبقى أن تبادر وزارة الداخلية إلى مواجهة ما يتردد حول هذا الشعور الزائف قبل أن يتمكن من الصدور، ويصد ويسد نفس الشباب، وهو ما نكره أن نقوله، لكن التحذير واجب ومسئولية.. هذا جزء من حرب نفسية دنيئة استخدمت إعلاميين كتامر وموسى، وكلاهما وطنى بلا شك، وحسن النية وفير وعظيم بهما، لكن المخطط تتوالى حلقاته، من تمزيق نسيج الأمة إلى بث الشك والزهد في نفوس أشرف الرجال، أبناء مصر الأبطال، في الجيش وفي الشرطة ! إن الذين يسقطون شهداء في العريش وفي رفح هم جنود مصر من الشرطة ومن الجيش، تلاحموا ليدافعوا عن لحم الوطن وعرضه شر خلق الله ! الأشر منهم قطعًا الأغبياء !
الجريدة الرسمية