رئيس التحرير
عصام كامل

قواعد فهم السنة النبوية.. والرد على المشككين فيها


مما لا شك فيه أن السنة النبوية تشهد هجوما واسع النطاق من قديم الزمان، تؤجج ناره بين كل حين وحين طوائف شتى، ومذاهب وأفكار مختلفة، والقاسم المشترك عند أكثر هذه العقول هو الطعن في صحيحي البخاري ومسلم، وإثارة الشبهات حولهما، وتضعيف الأحاديث الصحيحة.


والسمت الغالب على أكثر هذه العقول غفلتهم عن القواعد العقلية والنقلية المنظمة لهذا العلم، وكثير من الشبهات التي يثيرونها جوابها في كلمة واحدة على منهج أهل النظر من المحدثين الكبار، بيد أنهم لن يفهموها إلا بشرح وإسهاب؛ لأن الكتب أبواب، ومفاتيحها بأيدي العلماء.

وهم في ردهم إياها يختلفون: فمنهم من يردها لأنها لم تعجب مزاجه، أو لم توافق أفكاره، ويجعل قلبه وفكره هو المعيار الذي يقيس عليه صحة الأحاديث من ضعفها، وهو بعد لم يتضلع في الشريعة، ولم يحفظ الأحاديث الكثيرة، ولم يدرس العلوم الإسلامية.

وغفل هذا عن أن علماء المسلمين قد قاموا بإعمال عقولهم للحفاظ على السنة المشرفة، فأعملوها وأجهدوها بشدة حتى وصلوا إلى قواعد عقلية رصينة، تتماشى مع الحديث وتنتظم معه، ينفون بها كل احتمالات الوهم والغلط، فوجدت علوم الحديث لاسيما علمي: المصطلح، والعلل.

وأيضًا فإنهم وضعوا شروطًا في الراوي ليقبلوا حديثه، تعتمد أصالة على العدالة، والضبط والعدالة تقوم على الاستقامة في الدين بالمحافظة على الأوامر، واجتناب الكبائر، وأن يكون مبتعدًا عن الصغائر على قدر الاستطاعة، معتدلا متزنا في أخلاقه، معروفا في مجتمعه بالاستقامة والديانة، محافظا على عاداته وأعرافه.

والضبط يعني الاستيثاق من المعلومة، وأدائها على الوجه الصحيح كما تحمله، دون زيادة أو نقصان، أو تلاعب أو بهتان.

وبهذا نرى أن أئمة الحديث قد وضعوا لنا قواعد النقد العقلية التي نُعملها في مثل هذه الحالة السابقة الذكر، بل في حياتنا كلها، وبها نستطيع التقييم الصحيح، وتمييز الطيب من الخبيث.

وهم مع هذه القواعد العقلية قد عرضوا هذه الأحاديث على قلوبهم؛ أما مسألة الانتقاد على الصحيحين بالذات من المسائل التي تنبع إبداعا، والمخالفون من مراهقي المعاصرين يفرحون بتعرضهم لهذه المسألة، وكأنهم يجدونها فرصة لإحراج من يحدثونه من أهل الحديث، ولو علموا عمقها ما تكلموا؛ لصعوبتها على عقولهم أولا، ولأنها ستكشف جهلهم العميق بعلم الحديث ثانيا، إذ هي من المسائل الفاضحة الكاشفة!

وهذا الذي وقع منهم لأنهم لم يفهموا علم الحديث، فجواب كل هذه الأسئلة التي يثيرونها في كلمات بسيطة على منهج الأئمة النقاد الكبار، غير أنهم يطعنون على شيء لم يفهموه، ولن يفهموه.

ولا نمنع المفكرين من التدبر والتأمل، ولا نسلط سيوفنا عليهم ونحجر على أنفسنا الفهم والعلم، فليبدعوا في الفهم والنظر، ولكن ليعلموا أن هذا العلم الشريف له ضوابط وقواعد حاكمة، وهي قواعد عقلية رصينة قوية، فلا يحق لهم بمجرد النظر القاصر أن يعلنوا نتائجهم على الناس قبل أن يكون هناك نقاش علمي لهم مع المتخصصين في هذا العلم، ويجب عليهم أن يوضحوا قواعدهم العقلية والنقلية التي ينطلقون منها، حتى يستطيع المناقش لأفكارهم أن يلزمهم بها ويحاكمهم إليها، أما الكلام هكذا بدون أدلة ولا قواعد فهذا نهايته لا دين، أو لكل مفكر دين، فنهاية طريقهم في الحقيقة إيصال الشباب إلى الإلحاد، وإن الله حفظ دينه بالصحيحين، ولو أسقطوا الصحيحين فقد سقط الدين.

وهؤلاء الذين يتكلمون في السنة النبوية أصناف وأنواع، فليس كل من تكلم في حديث في الصحيحين يكون من قسم الطاعنين في السنة المطهرة، ولكن يجمعهم كلهم الجهل والعناد.

وهم في الحقيقة لا يحركهم هدف واحد، فمنهم العلماني المبغض للدين، ومنهم من تحركه يد خارجية؛ للطعن في الإسلام، وتشويه صورته، ونشر المناهج المنحرفة، وجعلها بديلا للشريعة الإسلامية.

وفي الحقيقة ليسوا كلهم أعداء الإسلام، بل منهم الجاهل، ومنهم الأحمق، ومنهم المتواطئ مع الأجندات الخارجية أو الداخلية، فكل حالة منهم تعامل بحسبها، وكل دولة ولها ظروفها، وأحوالها، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
الجريدة الرسمية