رئيس التحرير
عصام كامل

قانون «أبو حامد» وانتهاك الدستور


نصت المادة السابعة من دستور 2014، على أن: "الأزهر الشريف هيئة علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كل شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين هيئة كبار العلماء".


وبناءً على ذلك، فإن الأزهر الشريف يعد متمتعًا باستقلاليته في دستور 2014م؛ ومن ثم فإنه يعد متمتعًا أيضًا بالشخصية المعنوية، وله ذمة مالية وميزانية مستقلة به تكفلها له الدولة، ويقوم بتمثيله شيخ الأزهر الذي يتمتع بدوره بالاستقلال سواء من حيث تعيينه أو من حيث عدم قابليته للعزل.

وإذا كان الاستقلال الذي تمتع به الأزهر الشريف تأكد بنص دستوري، فعليه لا يجوز للسلطة التشريعية أن تنال من هذا الاستقلال، وأن أي قانون ينال منه يعد غير دستوري.

ولقد تقدم النائب محمد أبو حامد بمشروع قانون لمجلس النواب ينال من استقلال الأزهر الشريف ضاربًا عرض الحائط باستقلال الأزهر الشريف الذي تقرر بحكم الواقع على مدى أكثر من ألف عام قبل أن تقرره نص المادة السابعة من الدستور.

وتبرز أهم النقاط التي وردت في مشروع قانون أبو حامد وتنال من استقلال الأزهر فيما يلي:

أولًا: هيئة كبار العلماء ومساس مشروع القانون باستقلال الأزهر الشريف.. فطبقًا لنص المادة السابعة من الدستور فإن المعني بإصدار الرأي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية هو الأزهر الشريف، وهو يقوم بهذه المهمة عن طريق هيئاته ومنها هيئة كبار العلماء والتي من بين اختصاصاتها - وفقًا للتعديلات التي أجريت على القانون رقم 103 لسنة 1961م - البت في المسائل الدينية والقوانين والقضايا الاجتماعية ذات الطابع الخلافي التي تواجه العالم والمجتمع المصري على أساس شرعي.

كما تختص هيئة كبار العلماء بالبت في النوازل والمسائل المستجدة التي سبقت دراستها ولكن لا ترجيح فيها لرأي معين، وكذلك دراسة التطورات المهمة في مناهج الدراسة الأزهرية الجامعية أو ما دونها، التي تحيلها الجامعة أو مجمع البحوث أو المجلس الأعلى أو شيخ الأزهر إلى الهيئة.

وهذا الاختصاص المخول لهيئة كبار العلماء إنما تتطلب أن يكون كل عضو فيها متخصصًا في العلوم الشرعية أو اللغوية، حيث إن علماء اللغة العربية والشريعة الإسلامية هم القادرون فحسب على إبداء الرأي الشرعي في المسائل التي يتطلب حسمها برأي شرعي.

وإذا كانت علوم الدنيا لا تنفك عن العلم الشرعي، لكن العلماء من ذوي التخصصات الأخرى غير مؤهلين لإبداء الرأي الشرعي في المسائل التي تحتاج لحسمها من ناحية الشرع؛ ومن ثم لا يكونوا مؤهلين لعضوية هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ولكن من الممكن الاستعانة بهم كأهل خبرة عن طريق لجان متخصصة تستعين بها هيئة كبار العلماء في فهم الواقع لإجراء التكييف الشرعي السليم للمسألة التي تحتاج إلى رأي شرعي.

ولقد قرر النائب محمد أبو حامد في مشروع قانونه بضرورة أن يكون من بين أعضاء هيئة كبار العلماء عشرة أعضاء من الخبراء في العلوم الدنيوية الأساسية وهي: البحوث الاجتماعية، والصحة النفسية، والاقتصاد، وقضايا ومشكلات المرأة، وقضايا ومشكلات الشباب والتنمية البشرية، والشئون الصحية والطب، والبحوث الجنائية، والشئون القانونية والدستورية، وقضايا الأمومة والطفولة، والعلوم السياسية، ويكون من بينهم سيدتان على الأقل.

وهذا الطرح يخل باستقلال الأزهر الشريف المنصوص عليه في الدستور، حيث إن الأزهر هو الجهة الرسمية الوحيدة التي خول لها الدستور والقانون سلطة البت في المسائل التي تحتاج إلى رأي شرعي عن طريق هيئة كبار العلماء المتخصصين في علوم الشريعة واللغة، والعلماء المتخصصين في العلوم الدنيوية إذا كان لهم أهمية في فهم الواقع، إلا أنهم غير مؤهلين لإبداء الرأي الشرعي في المسائل التي تعرض على هيئة كبار العلماء لكونهم غير متخصصين في علوم الشريعة واللغة؛ ومن ثم لا ينبغي أن يكونوا أعضاء في هيئة كبار العلماء وإنما من ذوي الخبرة رجالًا كانوا أو نساء ويستعان بهم لإبداء الرأي العلمي على وفق تخصصاتهم دون أن يكون لهم تأثير في القرار الصادر عن هيئة كبار العلماء في المسائل الشرعية أو مسألة اختيار شيخ الأزهر.

كما أن طريقة اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء تخل إخلالًا كبيرًا باستقلال الأزهر الشريف لتدخل السلطة التنفيذية في هذا الاختيار، حيث خول مشروع القانون لكل من وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية سلطة ترشيح عدد معين من المرشحين لعضوية هيئة كبار العلماء؛ كما خول مشروع القانون لرئيس الجمهورية سلطة تعيين أعضاء بهيئة كبار العلماء، وهذا مما لا شك فيه ينتهك استقلال الأزهر لتبعية كل من مفتي الجمهورية ووزير الأوقاف للسلطة التنفيذية؛ وأن من أهم دعائم استقلال الأزهر الشريف استقلاله عن السلطة التنفيذية لعدم التأثير فى قراره.

ويظهر المساس باستقلال الأزهر الشريف واضحًا في حالة خلو مقعد عضو من أعضاء هيئة كبار العلماء حيث نص المشروع على أنه "إذا خلا مقعد عضو هيئة كبار العلماء لأى سبب من الأسباب يصدر رئيس الجمهورية قرارًا بتعيين عضوًا يحل محله بنفس الشروط والضوابط والآليات الواردة في المادة السابقة، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إعلان خلو المقعد".

فمشروع القانون قرر أن يتم تعيين عضور محل العضو الذي خلا مقعده من قبل رئيس الجمهورية مباشرة دون أن يكون للأزهر الشريف أي دور في الاختيار، وهذا يخل باستقلال الأزهر باعتبار أن رئيس الجمهورية يمثل رأس السلطة التنفيذية.

ثانيًا: المساس باستقلال شيخ الأزهر:
قررت المادة السابعة من الدستور بأن شيخ الأزهر مستقل وغير قابل للعزل، واستقلال شيخ الأزهر وعدم قابليته للعزل كان مقررًا بحكم الواقع على مدى تاريخ الأزهر الشريف قبل أن يقرره الدستور، ثم جاء الدستور وقرر هذا الاستقلال لعدم استغلال الأزهر الشريف والتأثير فى هذا الاستقلال وخاصة في هذه الآونة.

ولقد جاء مشروع أبو حامد ليمس بهذا الاستقلال سواء من حيث اختيار شيخ الأزهر وتحديد مدة لولايته أو قابليته للعزل أو إخضاعه للمساءلة التأديبية.

فبخصوص اختيار شيخ الأزهر وتحديد مدة لولايته قرر هذا المشروع بأن "شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر لجميع رجال الدين الإسلامي، وتحدد مدة ولايته بستة سنوات، ويجوز إعادة انتخابه بعد انتهاء ولايته لمرة واحدة فقط، وقبل موعد انتهاء ولاية شيخ الأزهر بمدة شهر على الأقل، أو شهرين على الأكثر، تبدأ إجراءات انتخاب الشيخ الجديد، طبقا للإجراءات والشروط الواردة في المادة الثالثة من هذا القانون".

ونص المشروع أيضًا على أن: "يختار أعضاء هيئتى كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية لهذا المنصب، ثلاثة من بين أعضاء هيئة كبار العلماء الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة بشأن شغل منصب شيخ الأزهر".

ونص أيضًا على أن: "في حالة إخلال شيخ الأزهر بواجبات وظيفته، يحال إلى لجنة تحقيق تشكل من أقدم سبعة من أعضاء هيئة كبار العلماء، وذلك بناء على قرار من ثلثى أعضاء هيئة كبار العلماء، وتتولى هذه اللجنة التحقيق معه فيما ينسب له، وسماع أقواله، وتعد تقريرا بناء على ذلك، إما بتبرئة ساحته أو بإدانته، مع اقتراح أحد الجزاءات التالية: الإنذار، اللوم، عدم الصلاحية، ويُعرض هذا التقرير على هيئة كبار العلماء، ويُتخذ القرار فيه بأغلبية الثلثين".

ويتضح مما سبق مدى المساس باستقلال شيخ الأزهر من ناحية اختياره، حيث سيشارك في هذا الاختيار أعضاء مجمع البحوث الإسلامية وأعضاء هيئة كبار العلماء، ولما كان من بين أعضاء المجمع وهيئة كبار العلماء أعضاء غير أزهريين، أو أعضاء تدخلت في تعيينهم أشخاص تابعيين للسلطة التنفيذية، فيعد ذلك مساسًا كبيرًا باستقلال الأزهر لمساسه باستقلال شيخه من زاوية اختياره.

كما يمس هذا المشروع استقلال شيخ الأزهر من حيث ضمانة عدم قابليته للعزل، حيث حدد له مدة معينة هي ست سنوات ولا يعاد انتخابه إلا لمرة أخرى فقط، وهذا يعد مخالفة للدستور الذي لم يحدد مدة معينة لولاية مشيخة الأزهر، كما أن الأزهر الشريف على مدار تاريخه لم تُحدد مده معينة لتولى شياخته؛ الأمر الذي أضحى عرفًا دستوريًا بعدم تركه المنصب لفوات مدد معينة، ومجيء الدستور مقررًا استقلال شيخ الأزهر وعدم قابليته للعزل إنما جاء مطلقًا متضمنًا جميع الأعراف المستقرة ومن ضمنها عدم تحديد مدة معينة لولاية شيخ الأزهر.

كما يعد تحديد مدد معينة لولاية شيخ الأزهر إخلالًا بمبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور، وذلك على اعتبار أن شيخ الأزهر الشريف يعد أعلى قيادة دينية إسلامية في مصر، وبابا الكنيسة يعد أيضًا أعلى قيادة دينية للدين المسيحي في مصر، ولما كان البابا لم تحدد له مدة معينة لولايته، فينبغي بناءً على ذلك ألا تحدد مدة معينة لولاية مشيخة الأزهر تطبيقًا لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور.

كما أن مشروع القانون قرر إمكانية محاسبة شيخ الأزهر تأديبيًا لإخلاله بواجبات وظيفته بواسطة لجنة مكونة من هيئة كبار العلماء، وهذا يعد خلطًا بين منصب شيخ الأزهر الذي يعد منصبًا دينيًا، وبين وضع الموظف العام الملقى على عاتقه بعض الواجبات بمقتضي القوانين واللوائح، فمنصب شيخ الأزهر يقتضي أن يكون لشيخ الأزهر الهيبة والمكانة باعتباره إمامًا للمسلمين لا مجرد موظف عادي من موظفي الدولة إذا لم يقم بواجباته الوظيفية يحال للتحقيق ويوقع عليه من الجزاءات.

وإذا سلمنا جدلًا بجواز محاسبة شيخ الأزهر تأديبيا عن طرق هيئة كبار العلماء، إلا أننا لا نسلم على الإطلاق إقرار مشروع القانون جزاء عدم الصلاحية لتعارضه مع الدستور من حيث عدم قابلية شيخ الأزهر للعزل.

ثالثًا: الإخلال باستقلال الأزهر عن طريق المساس بجامعته
بلغ مشروع قانون النائب أبو حامد أشده في الإخلال باستقلال الأزهر الشريف حين قرر فصل الكليات العلمية والأدبية عن جامعة الأزهر لتتكون منها جامعة جديدة تسمى بجامعة الإمام محمد عبده وتكون تابعة لإشراف المجلس الأعلى للجامعات ويسمح فيها بدخول جميع الطلاب والطالبات دون تمييز ديني، حيث نص المشروع على أنه: "يتم فصل الكليات العلمية والأدبية عن جامعة الأزهر، وتتشكل منها جامعة جديدة هي جامعة الإمام محمد عبده للدراسات العلمية تخضع لإشراف المجلس الأعلى للجامعات، ويسمح فيها بدخول الطلبة والطالبات بدون تمييز دينى".

فمناداة النائب أبو حامد بفصل الكليات العلمية والأدبية عن جامعة الأزهر وقصر جامعة الأزهر فقط على الكليات التي تعني بالدراسات الشرعية والمتعلقة بالدين الإسلامي وعلوم اللغة العربية، ونقل تبعية الكليات المنفصلة إلى المجلس الأعلى للجامعات يعد إخلالًا باستقلال الأزهر الشريف، حيث قرر الدستور استقلال الأزهر الشريف ككيان يشتمل على العديد من الهيئات؛ ومن ثم لا يجوز لأي سلطة في الدولة أن تنتقص من هذا الكيان أو من هيئاته؛ ومن ثم لا يجوز للسلطة التشريعية تناول الأزهر الشريف إلا من خلال الدستور ذاته، وإذا كان الدستور قد قرر استقلال الأزهر الشريف؛ فلا يجوز للسلطة التشريعية أن تنال من هذا الاستقلال بالانتقاص من هذا الكيان أو هيئاته وما تشمله هذه الهيئات، ولكن لها أن تزيد فقط من الضمانات التي تكفل هذا الاستقلال، وإلا كان ذلك انتقاصًا من استقلال الأزهر المقرر بمقتضى الدستور ومن ثم انتهاكًا لهذا الدستور.

رابعًا: الإخلال باستقلال الأزهر والمساس بالمعاهد الأزهرية
ويظهر إخلال مشروع القانون أيضًا باستقلال الأزهر وذلك عن طريق تحديد عدد المعاهد الأزهرية بثلاثة آلاف معهد أزهري ونقل تبعية ما زاد عن هذا العدد إلى وزارة التربية والتعليم وتدرس فيها مناهج التربية والتعليم، وعدم إنشاء أي معاهد أزهرية لمدة 15 سنة، وبعد انتهاء هذه المدة يراجع المجلس الأعلى للأزهر الموقف بناء على مدى الحاجة للمزيد من المعاهد وقتها.

ومما لا شك فيه أن تحديد المشروع عدد المعاهد الأزهرية ونقل تبعية ما زاد على هذا العدد إلى وزارة التربية والتعليم ووقف إنشاء أي معاهد أزهرية إلا بعد فوات خمس عشرة سنة اعتبارًا من نفاذ هذا القانون يعد مساسًا كبيرًا باستقلال الأزهر الشريف المقرر طبقًا للمادة السابعة للدستور لأنه ينتقص من كيان الأزهر وهيئاته؛ ومن ثم لا يجوز للسلطة التشريعية إقرار مثل هذا المشروع وإلا وصم عملها بالانحراف الدستوري ووصف بعدم الدستورية.
الجريدة الرسمية