رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. الشهيد محمد وهبة تنبأ بوفاته قبل ساعات من اغتياله.. طالب بإطلاق روح السعادة بين الناس.. أحب الشعر والموسيقى.. استخدم سلاح الرضا ليعبر به عن ما يريد

فيتو

لم يكن الشهيد محمد وهبة يعلم أن يد الغدر ستغتال روحه الشفافة، ونفسه المتدينة في لمحة بصر، ففي نحو الساعة 11.45 مساء الإثنين، استهدفت جماعة إرهابية يستقلون سيارتين الكمين الأمني المتحرك، أثناء مروره بميدان محمد زكي، بطريق الواحة، بتقاطعه مع الطريق الدائري دائرة قسم شرطة أول مدينة نصر، وأطلقوا النيران على القوات، واستشهد محمد وهبة، وصار بجوار من شيعتهم مصر من شهدائها الأبرار.


لا شيء يستحق
«بص للي ادفن قدامك وقولي فاكر زعل ما بينكم؟.. والله ما في حاجة مستاهلة نزعل من بعض أو نشيل ونهري وننكت في نفسينا.. اعفوا واصفحوا دي الدنيا لحظة، ونقابل رب كريم.. ويا بخت من قابله بقلب سليم» تلك كانت الكلمات التي كتبها النقيب الشهيد محمد عادل وهبة السيد، قبل استشهاده بدقائق على صفحته بـ«فيس بوك»، فهل كان يدرك أنه يلقى وجه ربه، وما الشعور الذي سيطر عليه في هذه اللحظة.

كان محمد وهبة، من قوة إدارة تأمين الطرق بمديرية أمن القاهرة، ضابط يحمل بين جنباته روح الشاعر المحب للموسيقي، بدا واضحًا من خلال صفحته الشخصية بفيس بوك.

شاعر
كان في شعره يؤكد على بساطته، فكتب وهبة بتاريخ 25 أبريل- تدوينة شعرية «المشكلة مش في حاجة م اللي بعملها.. مشكلتي إني بسيط لو تعقلها.. هاتها من أولها كده بحذافيرها.. تلقى الحقيقة عنيكي مش شايفنها.. من كتر غُلبك والحاجات اللي شفتيها.. اتغيرت بصتك اللي بتبصيها.. جميل كلامي؟ مع احترامي بتداريها.. الحقيقه وأي ديقه مليش دعوه بيها.. أيوه مليش دعوه ولا مشكلتي أنا.. أنا قدمت اللي بيه أصون حبنا.. مش بس كده واحتوي اللي فاتك.. وبدأت أكن جديدة الدنيا هنا...»

استخدم وهبة سلاح الرضا؛ ليعبر به عما يريد، فكتب في 26 أبريل تدوينة شعرية، قال فيها: «دايمًا بعيش راضي وهجري هَجر خفيف.. ولا معنى مرواحي إني شخص ضعيف.. دي القصة أنا ماشي عفوي بسيط.. بين أدبي والضعف شعرة رفع الخيط.. ولو تعوز حاجة هجري لك قوام.. وأكيد هتفهم في يوم جاي قدام.. اللي يقدم خير يُقعدله فِ الأيام».

الموسيقي
وكما كان وهبة عاشقا للشعر، كان عاشقا للموسيقى، وذلك ظهر في الصورة التي التقطت له، وهو يعزف الجيتار، ويظهر حسابه الشخصي بالفيس بوك، أنه كان محبًا للاستماع لمحمد منير وعمرو دياب، ومحبًا لموسيقى عمر خيرت.

وتظهر تدوينات وهبة أنه كان أيضًا محبًا للحكمة، ومتدين بطبعه، ففي إحدى تدويناته كتب يقول: «الخلوق هو من تحكم عقله في انفعالات قلبه، والقوي هو من تحكم عقله في إرضاء نفسه، والعاقل هو نتاج كظم الانفعالات وقهر الشهوات.. ولن يفعل أحد ذلك إلا الصادق في ابتغاء مرضاة الله».

يتنبأ باستشهاده
وقبل استشهاده بيوم، كتب محمد وهبة تدوينة: «المؤمن يرى مالا يمكن أن يراه غيره؛ لأنه يرى بعين الله».

وحملت تدوينات محمد وهبة روحه المتدينة، المحبة لقضاء الله، فقال: «في الضيق يفعل العاقل أمرين؛ إما أن يذهب لصاحب الحل؛ ليشكو له أو ليسمع له.. فما بالك الله الذي بيده كل شيء».

اذهب لله اشكو له، وأنت ساجد، واسمع منه من قرآنه، كيفما تشاء، وبأي لغه تريدها، وبأي طلب تطلبه وتحدث بالأسلوب الذي تريده، وخذ الوقت الذي يكفيك، فلا تخجل بالعكس بل انطلق بأقصى ما تستطيع.

فما أمتع العبودية التي يحدد فيها العبد المكان والزمان ووقت المقابلة والمطلوب وينهيها كيفما يشاء، ما أمتع العبودية التي فيها لا يحتاج السيد من العبد إلا أن يعطيه، ألا يصبح رضا الرب وقتها قمة المتعة؟ إنه شعور لا تعرفه القلوب المظلمة.

الله قصة حب العشاق 
في صباح يوم استشهاده، كتب محمد وهبة: «اتعلمت من سورة سيدنا يوسف حاجة غريبة أوي، بس هي أجمل بكتير من غرابتها.. اتعلمت إني لما أكون بين أمرين واحد سيئ، والتاني أسوأ، مختارش السيئ وأسيب الأسوأ وأقول إن ده قضاء ربنا، لأ أنا أقول لله يا رب لا ده ولا ده، أنت هتختارلي الأحسن من الاتنين.. وده اللي قاله ربنا.. قال تعالى: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ).

وقال: «هنا سيدنا يوسف تمنى السجن؛ لأنه اعتمد على تقييمه ورؤيته البشرية، على الرغم أنه لو كان سابها لله، ولم يعتمد على رؤيته، كان ربنا بدلها؛ لأن ربنا فضله ملوش حدود، وده اللي كانت بتشرحه سورة الكهف، وبخصوص قصة العبد الصالح اللي بيتخطى الأسباب.. وعشان كده ربنا رد وقال.. قال تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).. استجابه ويليها السميع العليم.. ربنا فضله ملوش حدود، مش قانون هو وحسبه، وعشان كده خلي ظنك ملهوش حدود، يعني الموضوع بيقف على العبد مش الرب، كيفما ترى الله وتظن به يعطيك».

وواصل محمد وهبة شفافية قلبه، فكتب ظهر يوم استشهاده، قائلًا: «أطلق السعادة في أوجه الناس يعشقوك، واخفي الحزن بينك وبين الله؛ لإنهم لن يتحملوك، إلا من عرف الله، فإن وجدت من عشق الله فلا تفرط فيه، فهو خير معين، وإن لم تجده.. فصبر جميل»، فهل كان محمد وهبة يبحث عمن يعشق الله، أم أنه كان يدرك أنه سيكون مع الشهداء بعد سويعات قليلة من كتابته للتدوينة.
الجريدة الرسمية