بالصور.. نادي الصحفيين النهري «حكاية هدية أتلفها الإهمال»
في محافظة الجيزة وعلى بعد أمتار قليلة من جزيرة الذهب بنيل مصر، استطاع الكاتب الساخر محمود السعدني بطريقته البديعة وبما لديه من علاقات قوية، الحصول على أفضل ما يسمح به القانون من أوضاع استثنائية لأبناء مهنته، وأن يقتنص قطعة مطلة على نهر النيل من اتجاه وشارع البحر الأعظم من اتجاه آخر، أطلق عليها نادي الصحفيين النهري.
يروي الدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي، في كتابه «عرفتهم عن قرب» تفاصيل افتتاح النادي، حيث كان من بين الحضور وقتها، قائلا: "أتذكر عند افتتاح نادي الصحفيين النهري، في ثمانينات القرن الماضي، والذي يرجع الفضل في إنشائه للكاتب الصحفي محمود السعدني، بحكم اتصالاته بالوزراء وكبار المسئولين، وقد عاونه في ذلك الصحفي إبراهيم حجازي".
وتابع: "مازلت أتذكر جيدًا هذا اليوم الذي حضره عاطف صدقي، رئيس الوزراء آنذاك، بدأ الحفل بتلاوة مباركة من القرآن الكريم للشيخ "الطبلاوي"، كان جالس على المنصة بجوار السعدني، في هذه الأثناء همست في أذن الحاج إبراهيم نافع عمدة الجيزة، وأحد الأصدقاء المقربين للصحفي الساخر، وشريكه في المعتقل في قضية مراكز القوى، وقلت له مداعبًا: "ياترى كم تقاضى الشيخ الطبلاوي بحضوره اليوم؟ فرد نافع: "وهل دفع السعدني في النادي مليمًا واحدًا حتى يدفع للشيخ الطبلاوي؟! إذن كل شيء هنا هبات وتبرعات، بل ربما يطلب السعدني من الشيخ منحة للنادي بدلا من أن يدفع له أجر".
التفاصيل توضح ما كان للصحفيين والسعدني تحديدًا من صيت وقوة أدبية لقدره ومقامه، ظل النادي مقصدًا لكبار الكتاب والصحفيين لفترات طويلة، ترأس خلالها السعدني رئاسة النادي، وكان إبراهيم حجازي، نائبًا له، ولما كان النادي كغيره وأغلب المؤسسات الاجتماعية والثقافية في مصر، تم إهمال النادي مع تدهور الحالة الصحية لمؤسسه، وبات لا يرتقي إلى مستوى يليق بصحفيي مصر، وأسند بعد وفاة الكاتب الصحفي إلى وزارة الشباب والرياضة، شأنه شأن أي ناد اجتماعي تابع للوزارة.
بالتجول داخل النادي الذي ضربه الإهمال، وانخفضت فيه الخدمة، تجد في أقصى اليسار جدارية يبدو إنها كانت خلفية لمقهى قديم داخل النادي يجتمع فيه المثقفون، تحمل هذه الجدارية صور لعمالقة الصحافة الكبار، وألمع المفكرين والآدباء، نجد فاطمة اليوسف وإلى جوارها طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ، وبينهم يقف الإخوان على ومصطفى أمين، وأنيس منصور وغيرهم، لا يكاد أحد من القلة المتبقية من رواد النادي يلتفت إليها أو حتى يعلم بوجودها.
تبددت ملامح النادي وفقد بريقه، ليواجه براثن الإهمال بمفرده بعد أن هجره أصحابه ومات مؤسسه، ورغم المحاولات المتكررة لتطويره إلا أنه يبدو أن جدران النادي وما تبقى من أثاث أبى أن يقطع تلك الخصومة مع من تركوه لعقود يواجه الإهمال منفردًا.