يا وزير المالية الضرائب ضد الاستثمار!!
مشكلة مصر الأزلية هي أن الوزارات تعمل بشكل منعزل عن بعضها، وكل وزارة تسعى إلى مصلحتها فقط دون النظر لمصلحة الدولة العليا حتى تظهر أمام رئيس الجمهورية، أنها هي التي تعمل فقط، وأحيانا يصل الصراع بين الوزراء إلى محاولة إفشال بعضهم حتى لا يحسب النجاح لغيرهم، من المضحكات المبكيات أيضا قيام الوزارات بتحصيل رسوم من بعضها نظير تأدية الخدمة ويتم حساب هذه الأموال إيرادات لدى الوزارة التي حصلتها ومصروفات لدى الوزارة التي دفعتها، بل يحدث ذلك بين الهيئات المختلفة في نفس الوزارة، وهي في النهاية أموال عامة مدفوعة من ميزانية الدولة..
فالنظرة الضيقة للأمور تتسبب في ضياع فرص كثيرة على الدولة، وعلى سبيل المثال ما يحدث الآن في قانون الاستثمار الجديد الذي يناقشه البرلمان خلال ساعات، د عمرو الجارحي وزير المالية كل هدفه هو تحصيل أكبر قدر من الضرائب والرسوم وبصرف النظر عن تأثير ذلك على الاستثمار والتنمية، فهو ضد إعفاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الضرائب، ويريد إلغاء المناطق الاستثمارية الحرة بحجة أنها سبب في التهرب الضريبي، وهذا أمر عجيب وغريب فبدلا من معالجة مشكلة التهرب من الضرائب يكون القرار الأسهل هو إلغاء المناطق الحرة، مثل من يريد إلغاء الأموال بسبب قيام البعض بتزويرها، أو وقف تراخيص المباني بسبب انهيار بعض العقارات، سياسية المنع والإغلاق والإلغاء تسببت في كوارث كثيرة للبلد حتى أصبح لدينا 5 آلاف مصنع مغلق، وفي حالة موافقة الحكومة والبرلمان على اقتراحات الجارحي بإلغاء المناطق الحرة سوف يتضاعف عدد المصانع المغلقة والعمال المشردين في الشوارع.
حيث يبلغ عدد المشروعات المقامة في المناطق الحرة نحو 209 مشروعات يعمل بها 83 ألف عامل وتصدر بنحو 2 مليار دولار سنويا وبتكلفة استثمارية 11 مليار دولار، وزير المالية لا يقدر حجم الكارثة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، ولا التضخم وعجز ميزان المدفوعات وارتقاع الدين العام الداخلي والخارجي، وينظر فقط ما يمكن أن يحصله من الضرائب حتى لو كان ذلك على حساب الاستثمار الذي هو طوق النجاة لمصر.
كما أن عدم إعفاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الضرائب لن يشجع الشباب على العمل الحر، فهل يعقل أن يدفع ضرائب وأقساط قروض وفوائدها بالإضافة إلى شراء الأرض بأسعار مرتفعة؟
فبدلا من أن تساعده الدولة لأنه رفع عنها عبء توفير وظيفة تقوم بتعجيزه!
أفكار واقتراحات وزير المالية سوف تفرغ القانون من مضمونه، قد تساعد في جمع بضعة ملايين من الجنيهات ولكنها سوف تهدر على الدولة أموالا ضخمة متمثلة في توفير فرص عمل، وإنتاج وحد من الاستيراد، وتوفير نقد أجنبي وانخفاض في الأسعار ورفاهية حقيقية للشعب وهذا كله يوفره الاستثمار وليس الضرائب..
قانون الاستثمار طال انتظاره منذ 3 سنوات رغم أنه ليس كل المعادلة الجاذبة للاستثمار، ولكنه خطوة على طريق الإصلاح التشريعي يتبعها خطوات أخرى مهمة لتهيئة مناخ الاستثمار.
أقول لوزير المالية إننا لا نطالب إطلاقا بإلغاء الضرائب، بل نحن مع منظومة عادلة وتصاعدية للضرائب، ولكننا في وضع استثنائي يتطلب تفكير استثنائي ولذلك أطالبه بإعفاء نهائي من الضرائب للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ولمستلزمات الإنتاج والمواد الخام وسعر مخفض للطاقة ومنح الأراضي مجانا للمستثمرين الجادين، فليس لدينا عجز في الأراضي ولكن لدينا كارثة اقتصادية وأزمة بطالة قد تنفجر في أي وقت.
د عمرو الجارحي ابن المؤسسات الدولية، ويعلم تماما التجارب الناجحة للدول في الاستثمار، ولا مانع من تذكيره بتجربة بولندا التي تدفع أموالا للمستثمر الذي يوفر فرص عمل، وتضاعف له الأموال حين يستثمر في المناطق الأكثر احتياجا، ولا تأخذ منه ضرائب.
يا سيادة الوزير حتى الإعفاء من الضرائب وحده لا يكفي لجذب الاستثمار، فهناك دول تغري المستثمرين بالجنسية والإقامة على أرضها وتمنحه امولا، مصر في لحظات فارقة تتطلب منا التفكير خارج الصندوق وأن نؤخر مصالحنا الخاصة ونظرتنا الضيقة للأمور حتى نعبر بها من هذه المرحلة الأخطر في تاريخها.
egypt1967@yahoo.com