رئيس التحرير
عصام كامل

الشك يا رئيسى


لا يضلل المخ أو يشل الذراعين والساقين واللسان -آليات الحركة والنطق- فى أى جسد بشرى إلا إذا تجلط، حينئذ تقع الخيانة الحيوية من مركز القيادة فى الجسد إلى آليات التنفيذ والحركة، قبل الجلطة نادرا ما تقع مشاعر تربص وريبة بين الطرفين، حال الرئاسة والجيش أقرب إلى ذلك اﻵن، لم يشهد تاريخ العسكرية المصرية الحديثة قط حالة الريبة والتوجس القائمة بين الجيش وقائده! بين رئيس الدولة وبين الذراع العسكرى للدولة، المسئول الأول عن الأمن القومى عند الحدود وداخل الحدود. 

ماذا أوصل الجسد المصرى -المخ والآليات- إلى هذه النقطة؟ أداء الرئاسة وألسنة المتشجعين بها والمتشحين بها والمستعملين لها دفع الجيش إلى طلب لقاء "طمأنة"، استمر أربع ساعات، حول أربع كرات نار:

1- التقرير المسرب للجارديان البريطانية وفيه اتهامات للجيش بالقتل والتعذيب والإخفاء القسرى لمصريين من 25 يناير حتى 11 فبراير.

2- مثلث حلايب وشلاتين.

3- الأحكام العرفية المزمع اتخاذها ربما.

4- قناة السويس.

واقع الأمر أن الرئيس نفسه كان بحاجة للطمأنة ثم كان ملزما بالنفى أو التوضيح، وقد فعل، أما أمن مصر فخط أحمر أكده الفريق السيسى والمجلس العسكرى، رفضوا جميعا تسلح أو تسليح الإسلاميين وخلق ميليشيات مسلحة تصطدم بالجيش لتضعفه! أما قناة السويس فلا بيع، ولا انتفاع، ولا اقتراب من المساحات الاستراتيجية، بل طالبوه بقانون يمنع بيع أصول مصر، أما حلايب وشلاتين فقل للسودانيين: ولا حبة رمل منها لكم. 

فى كل ما سبق وافق الرئيس، وقال: لا توجد نية البتة لذلك. 

تبقى قضية التقرير المسرب، هو موضوع فى 800 صفحة حول 19 حادث عنف خلال 18 يوما هى عمر الاحتجاجات التى أطاحت بالرئيس مبارك، المفروض أن هذا التقرير كاملا تحت يدى الرئيس والنائب العام فقط، فمن سربه؟! 

فصل واحد فى الحقيقة تم اختياره عمدا للتسريب بهدف التشويه وإرباك الجيش ووضعه موضع الدفاع عن النفس أمام الشعب، وكذلك إقناع الناس المطالبين بنزول الجيش بأنه سبق له قتل وتعذيب وخطف 1000 مصرى بينهم مساجين. 

نقطة الانفجار والكمد فى الفصل المهرب هو مطالبة لجنة التقصى بالتحقيق مع القيادات العليا فى الجيش وقت الأحداث لتحديد من المسئول، فى لقاء الطمأنة، توعد القادة أمام الرئيس برد فعل قاس وبإجراء حاسم إن لم يحقق القائد الأعلى فورا فيمن سرب هذا الفصل الذى يوقع بين الشعب وجيشه، الرسالة وصلت ﻷذنى الرئيس. 

ترى هل فهمها صح؟! هل استوعب المغزى؟ أم اعتبر اللقاء فض أفواه ومجالس؟! المفارقة فى أسبوع القلق والشكوك فى مصر أن ظهر الرئيس مبارك مطمئن البال هادئ الملامح، بل مبتسما للكاميرات لأول مرة منذ حبسه قبل 22 شهرا.
الجريدة الرسمية