لا تقطعوا رقبة «فرانسيس»
ساعات وتنتهي أول زيارة يقوم بها بابا الفاتيكان لمصر في الألفية الثالثة، وتفاصيل هذه الزيارة تجعلنا نترك البابا "فرانسيس" قليلًا لنعود للألفية الثانية وتحديدًا قبل ثمانمائة عام عندما زار "فرانسيس" آخر مصر بغرض لقاء الملك.
المفارقات بين الزيارتين أكبر من تشابه الأسماء، فقد جاء القديس "فرانسيس" لدمياط في الربع الأول من القرن الثالث عشر بهدف إقناع الملك الكامل باعتناق المسيحية، واعتبرها الجميع وقتها زيارة "انتحارية" لأنها تأتي بينما يصد الملك وجيشه الحملة الصليبية الخامسة التي تحاصر المدينة وتكاد تقتحمها.
بينما جاءت زيارة البابا "فرانسيس" الحالية في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين لإعطاء رسالة سلام للعالم من القاهرة، واعتبرها البعض محفوفة بالمخاطر لأنها تأتي بعد تفجيرات كنيستي الإسكندرية وطنطا.
تجاهل الملك "الكامل" نصائح الذين أشاروا عليه بقطع رقبة زائره مثلما لم يستمع البابا "فرانسيس" لمخاوف البعض من زيارته لمصر، فكلاهما أراد فهم الآخر والحوار معه.
رفض ملك مصر الدخول في المسيحية ولكنه أكرم ضيفه وأعطاه الإذن بزيارة بيت المقدس بعد أن أقام معه أول حوار بين الأديان، وعندما أنهى الأخير زيارته وضع كتابه (نشيد الخلائق) والذي جاء فيه: (نمجدك يا الله من أجل الأرض التي تحملنا.. بفواكهها وأزهارها متعددة الألوان) ولأن الأرض تنبت الأزهار بألوانها المختلفة كان لزامًا علينا أن نتعايش سويًا ونحترم اختلافاتنا وهو ما أكدته القاهرة برفضها استخدام الدين في ممارسة العنف.
بعد وقت قصير من زيارة القديس "فرانسيس" استطاعت مصر التغلب على خطر الصليبيين وشُيدت مدينة جديدة احتفالًا بالانتصارات، وبعد سنوات قامت هذه المدينة بالتصدي للحملة الصليبية السابعة -بجانب أسر الملك لويس التاسع- ليطلقوا عليها اسم "المنصورة"، ولاحقًا هُزمت إسرائيل في أجوائها حينما سقطت طائراتها أمام تماسكنا الذي يظهر جليًا بعد لحظات الانكسار ليعطينا العظة بمقدرتنا الدائمة على الانتصار.