رئيس التحرير
عصام كامل

أخطاء الرئيس


مثل أغلبية المصريين نزلت لأول مرة انتخابات الرئاسة لأصوات للمشير عبد الفتاح السيسي ودخلت معارك ضارية دفاعا عنه وعن قراراته ولا تزال مواقع الإخوان تضعني مع زمرة الطبالين كما تزعم، بل كنت من أوائل من توقعوا الصعود للرجل منذ كان رئيسا للمخابرات الحربية.. وهذه مقدمة ضرورية في هذا الزمن لقطع الطريق على المؤلفة عقولهم ويسارعون بتلفيق التهم وقراءة العناوين فقط بمنطق باسم يوسف أو لا تقربوا الصلاة.. ولا أظن أن هناك بشرا معصوما من الخطأ إلا سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومع هذا هناك من يصر على تأليه حكامنا وتنزيههم عن الخطأ أو فرعنتهم.. ولا أظن أن الرئيس يرتقي لمنزلة الصحابة الذين كان الناس يقولون لهم لا سمع لكم منا ولا طاعة إذا خالفتم ما أمر الله به..


وعندما هاجمت امرأة العادل عمر بن الخطاب قال لها لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها بل إن القرآن نزل معاتبا سيد البشر.. وبما أن العلاقة بين الحاكم والمحكومين هي علاقة عقد اجتماعي تستمر باستمرار شروط بنود العقد، وكما قال كل فلاسفة نظرية العقد الاجتماعي "روسو" و"هوبز" و"لوك" بأن تلك العلاقة تقوم على الندية..

والمشكلة أن محنة هذا البلد في عدم وجود معارضة حقيقية سواء في البرلمان أو خارجة بما يحفظ التوازن ويحقق الرقابة الجادة على السلطة التنفيذية ومراجعة أو إيقاف قرارات الرئيس.. بل إن المِحنة الكبرى هي أن الأجهزة الأمنية رسخت في الضمير العام أن أي معارض هو خائن بالفطرة حتى يثبت العكس.. وغالبا لا يمكن تبرئة المعارض من فحيح إعلام السلطة.. بل أصبح أي مستقل أسوأ من المعارض لأن الأجهزة لا تعرف في أي مربع تصنفه..

وليس من الطبيعي أن تعود مصر بعد كل الأحداث التي مرت بها إلى الوراء، فالشعب ثار أو انتفض من أجل الأفضل لكي يعيش في دولة يسود فيها القانون وتنفذ فيها العدالة وتحارب الفساد والواسطة، ويتعامل فيها المواطن بكرامة وبلا تمييز.. دولة حريصة على تقديم الخدمات للمواطن بمستوى لائق، بدءا من التعليم للصحة للمرافق..

وكان الرئيس السيسي قد وعد في برنامجه الانتخابي بتحقيق ذلك، وعلى الرجل أن يسأل من حوله هل تحقق شيء من ذلك، وللدقة أن يسأل أو يلتحم مع الناس الطبيعيين الذين يطرقون أبواب اللقمة الحلال أي الشعب الحقيقي.. ذلك أن دولة مبارك شاخت لأنها لم تجدد دماءها بأفكار مبتكرة من أشخاص خارج الجهاز البيروقراطي.. والغريب أن طوال أكثر من ثلاث سنوات من حكم الرئيس لم نسمع عن وجود مستشار سياسي في مؤسسة الرئاسة أو أي شخصية لها ثقل سياسي في أي موقع..

اعتمد الرئيس على شخصيات باهتة لا تمتلك الحد الأدنى للقيادة، ومع كل الاحترام لكل من رئيس البرلمان ورئيس الحكومة فهما آخر شخصيتين مؤهلتين لمنصبيهما على الأقل في تلك الفترة الحرجة من عمر الوطن.. فهما مجرد نماذج لمعظم الاختيارات.. وأعرف أن الرئيس على قدر كبير من الأدب ولكن من حوله في كثير من المواقع كالدببة تسببوا إما بحماقة أو تهور واندفاع في تراجع شعبيته بسبب الغلاء الفاجر نتيجة قرارات لم يكن الوقت ملائما لها..

ثم كانت هناك بعض القرارات التي وضعت الرئيس في خلاف لم يكن مطلوبا ولا مبررا مع الصحافة والقضاء والأزهر والقوى الوطنية المدنية.. وأظن أن مشكلة الرئيس هي أنه يمتلك الكثير من المعلومات بحكم موقعه السابق بعد أحداث يناير ويونيو وهو يحتفظ بتلك المعلومات دون أن نعرف تفاصيلها.. ولذا فهو يرى الحقيقة لوحده ويطلب منا أن نمشى وراءه ولا نسمع إلا كلامه دون أن يشرح لنا لماذا؟

ذهب الرئيس لإنشاء مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة القديمة، ربما لمعرفته بتلال المشكلات فرأى أن تكلفة إنشاء مؤسسات بديلة أرخص من علاج القديمة، غير أن الخطأ المتكرر هو الخروج على النص بالإصرار على الارتجال مما يعطي الفرصة للمتربصين بالتأويل ضده وأحيانًا ضد الوطن..

ووسط هذا المناخ المرتبك وخيبة الأمل وتهميش المشاركة الشعبية ووأد ظهور أي بديل ومعايرة الشعب بفقره نرى رداءة الإخراج السياسي للأحداث الكبرى، كما حدث في مصيبة تيران وصنافير دون التمهيد الإعلامي والسياسي لها من جوقة من الإعلاميين الذين يزعمون قربهم من مؤسسة الرئاسة والذين لا يعرفون الكثير عن التاريخ والجغرافيا وكيفية توصيل الرسالة الإعلامية بذكاء وحرفية..

وأعرف أن المزاج العام في مصر يختلف عن الخارج لأننا لسنا من الشعوب المغامرة التي تحلم بل تفضل من لديه الخبرة والمعرفة وتقول في الكواليس والخفاء غير ما تقوله في العلن.. وبحكم تجربتي المهنية كان كثير من الضيوف يقولون كلاما مختلفا عما يقولونه أمام الكاميرات.. ومعظم الأخطاء السابقة يرددها الكثيرون ويؤكدون انخفاض شعبية الرئيس دون أي سند علمي.. ولأنني سأعطي صوتي للرجل إذا ترشح لفترة رئاسية جديدة إذا كان في العمر بقية أردت أن أذكره بما قد يغيب عنه وعن الدائرة القريبة منه ولا يعني هذا أن الرجل مخطئ على طول الخط على العكس فهناك عشرات الإنجازات والقرارات المهمة الشجاعة التي اتخذها ولم يجرؤ غيره على التفكير فيها ولكن شرح تلك الإنجازات لها صنايعية وهم الأقدر عليها وإذا كان الجميع يتكلمون عن الخير والإنجازات فأنا أتكلم عن الأخطاء والشر مخافة أن تصيبنا.

الجريدة الرسمية