نجيب محفوظ يحكي ذكريات طفولته في رمضان
في مجلة الإذاعة عام 1961 كتب الأديب نجيب محفوظ مقالا يحكى فيه كيف تأثر وجدانه بشهر رمضان، قال فيه:
بيت القاضي، العباسية، الجمالية والحسين.. كلها أحياء تسكن في ذاكرتي وشغلت وجدانى لسنوات طويلة، وانعكس آثارها على الكثير من الأعمال الأدبية والروائية التي قدمتها مثل الثلاثية وخان الخليلي.
والغريب أنه رغم مرور السنوات مازلت مرتبط بهذه الأماكن حتى الآن، وكثيرا ماتتحرك ذاكرتي شوقا وحنينا إليها، وكنت أراقب المؤذن من شرفة بيت القاضي حتى يصعد مئذنة الحسين.
ويبقى شهر رمضان من بين الشهور له طابعه الخاص الروحانى، علق في ذهني منذ طفولتي، فصور الاحتفالات التي تمتلئ بها لياليه وسهراته سواء الدينية أو الترفيهية، الاثنان لهما أثرهما الشديد جدا في حياتي.
إلى جانب الذكر والإنشاد الديني والمدح النبوى لعلي محمود وقفشات الشيخ البشري.. كلها ذكريات لا تغيب.. كان ذلك قبل ظهور الراديو، فكان السهر في المقهى على الربابة في مقهى خان جعفر، يحكي قصة أبو زيد الهلالي وينقسم الجمهور إلى فريقين، فريق مع أبو زيد، والآخر مع دياب، تماما مثل جماهير الأهلي والزمالك.
وأيضا السهر والفوانيس الملونة وغناء الأطفال في الأزقة والحارات، كان الأطفال والصبية، وأنا منهم، نمنح في هذا الشهر الكريم حرية دون باقى الشهور في السهر مع الأصدقاء في الشارع، ويكون السهر حول أغنية "وحوي يا وحوي".
وإذا قلنا إن الاحتفال بشهر رمضان قد تراجع درجتين مثلا فهذان الدرجتان يظهران في منطقة مثل الزمالك وكأنهما عشرون درجة.
أما في حي الحسين فالاحتفال بهذا الشهر لم يختلف كثيرا، ففى نهار رمضان تجد كل شيء هادئا المقاهي والمحال مغلقة احتراما للصائمين.
أما في الليل فالسهر حتى الفجر بين مقهى الفيشاوى وخان الخليلى، الكبار والصغار وسط الفوانيس المضاءة، والأنوار في كل مكان، وكأن هناك مهرجانا فولكلوريا كبيرا، وتختتم السهرة بطبلة المسحراتي.. والرجوع إلى البيت لتناول السحور.