رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. في ذكرى تحرير سيناء.. «هارون» شهيد بني سويف «صائد التكفيريين».. وصيته: «لا تدفنوني إلا بعد سداد ديوني».. وشقيقه: كتب التاريخ بتضحياته.. زملاؤه: سقا إرهابي الماء

فيتو

في الذكرى الـ35 لتحرير سيناء أرض الفيروز، ورفع علم مصر على طابا، آخر بقعة تم تحريرها في عام 1989م، تبقى سيناء مسرحًا لإنجازات وتضحيات جنودنا البواسل في الحرب على الإرهاب في العريش والشيخ زويد ورفح، وغيرها من المدن والبلدات.


العمليات الإرهابية
فمنذ ثورة 25 يناير في 2011، شهدت سيناء سلسلة من العمليات الإرهابية، شنتها جماعات متطرفة، بذل خلالها المئات من جنودنا وضباطنا أرواحهم دفاعًا عن رمال سيناء، وترسيخًا لما وصفوا به، فهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر.

وكان من بين هؤلاء، الشهيد المقدم محمد إبراهيم هارون، ابن محافظة بني سويف، المعروف بـ«صائد التكفيريين» الذي استشهد في 13 نوفمبر 2015، في تفجير عبوة ناسفة بمدينة العريش شمال سيناء.

ابن بني سويف
الشهيد «هارون، 37 عامًا» تزوج من ابنة عمه الدكتورة منار عبد الفتاح هارون، مدرس بكلية التربية، قبل استشهاده بـ3 أشهر فقط، عُرف بين الضباط والجنود بعدة ألقاب، منها «صائد التكفيريين» و«أسد الصحراء» لشهرته بعملياته الناجحة في رفح والعريش والشيخ زويد ضد العناصر التكفيرية.

استشهد مساء الخميس، 13 نوفمبر 2015، في الشيخ زويد، وأثناء تأدية عمله بتفكيك العبوات الناسفة مع قوات الأمن في منطقة الجورة، جنوب الشيخ زويد؛ ليسطر لاسمه تاريخًا من نور، فقد أصبح أحد من قال عنهم القرآن الكريم: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه».

خطورة سيناء
يقول شقيقه الدكتور أحمد إبراهيم هارون، طبيب بمستشفى الملك فهد بالرياض بالمملكة العربية السعودية: «محمد» كان قليل الكلام عن خطورة العمليات في سيناء.

كانت علاقتنا أبويه، فدائمًا ما كان يحاول أن يقبل يدي، وكان آخرها أثناء زواجه، قبل استشهاده بـ3 أشهر، وعندما رفضت وسبت يدي قبل رأسي، مضيفا أنه تم استدعاؤه بعد الزواج مباشرة لعملية كبرى، تحدثت عنها وسائل الإعلام لأيام.

صائد التكفيريين
وأضاف: عُرف بين قيادات الجيش الثاني والضباط والجنود بـ«صائد التكفيريين»؛ لأنه غير طبيعة الأكمنة الثابتة، التي كانت تنتظر الخطر يأتي إليها من المجهول، وكان يذهب إليهم ويطاردهم؛ ليسقط العشرات منهم، واحدًا تلو الآخر، كان دائمًا ما يقول عنهم أنهم «جبناء»، ولكنهم يستقوون عندما يجدوننا ندافع فقط، ولا نباغتهم بالهجوم، وروى لنا زملاؤه أن العناصر التكفيرية كانت تفر منه، وهم يرددون عبارات «كتيبة أبو هارون جايه.. اشرد..اشرد» أي «أهرب.. أهرب».

وصية الشهيد
وعن وصيته، قال شقيق الشهيد: تلقيت صورة وصيته على الـ«واتس آب» وأنا أقف أمام الحرم المكي، وكانت على جزأين؛ الأول: «أوصيكم عند موتي أن تعجلوا بدفني ولا تدفنوني إلا بعد تسديد ديوني، وهي كالآتي، قسط العربية لبنك القاهرة، ويوجد كارت مع الجندي علي.. والأسطى جمال الاسترجي ميدو يعرفه ليه 1000 جنيه».

وياريت تخرجوا مبلغ كبير عني، علشان لو فيه ديون ناسيها» والجزء الثاني الذي كلفني فيه بأداء صلاة الجنازة عليه، فقال «إن كان شقيقي أحمد موجود يصلي هو صلاة الجنازة علي؛ لأنه سيكون أكثر ألمًا وحزنًا»

يؤرخ في الكتب
وعن تقدير الدولة لاسم الشهيد، قال شقيقه: ما فعله الشهيد محمد هارون، يؤرخ في الكتب، ويستشهد به التكفيريون أنفسهم، فهو الضابط الوحيد الذي أعلنوا الاحتفالات باستشهاده، وكنت أتمنى أن تمنحه الدولة «نجمة سيناء»؛ تقديرًا لجهوده وتضحياته، وطالب من الفريق صدقي صبحي تطوير المنظومة الأمنية؛ حفاظًا على دماء الجنود، كما طالب بإنشاء وزارة لرعاية أسر الشهداء، التي فقدت عائلها، ومنحهم كوتة للتمثيل في «مجلس النواب» للدفاع عن حقوق هذه الشريحة المجتمعية.

أغاث الإرهابي
وسرد الرائد خالد أبو بكر، أحد ضباط القوات المسلحة- رواية، نقلًا عن مجند بكتيبة «هارون»، أنه أثناء أعمال قتال العناصر الإرهابية في منطقة الجورة جنوب الشيخ زويد، عقب إصابته مباشرة، نجح أفراد القوة في اصطياد العنصر الإرهابي شديد الخطورة، الذي أطلق عليه الرصاص، موضحًا أن الشهيد البطل سمع أنَّات الإرهابي، واستغاثته بحثًا عن الماء، فوجه المقدم محمد هارون جنوده؛ لإحضار الماء للتكفيري، قبل أن يلفظ أنفاسه.

هدف للتكفيريين
وأضاف عبر صفحته بـ«فيس بوك» أن جميع أفراد القوة انتابتهم حالة من الدهشة؛ نتيجة تصرف الضابط البطل، وكانوا في الأصل يرغبون في تمزيق جسده بالرصاص، بعد أن أصاب قائدهم، فرد عليهم بحزم: «لا.. قلت اذهبوا وأحضروا الماء هو يحتضر والروح لها حرمتها».

خير أجناد الأرض
وتابع: «ذهب الجنود وأحضروا الماء فأخذه الشهيد قبل أن يودع الحياة، وبيديه عدل وضع التكفيري للشرب في حين كان التكفيري القاتل ينظر بذهول ودهشة للمقدم هارون، فقال له نحن لسنا مثلكم وعقيدتنا مختلفة فنحن خير أجناد الأرض فعلا وليس قولا، وخستك لا تعنى أن أنسي تقاليد القتال وفروسيتها حتى وإن كنت قاتلي».

شقيقة الشهيد
وروت «أماني» شقيقة الشهيد، تفاصيل آخر أيام قبل استشهاده، قائلة: «محمد كان مسافر قبل إستشهاده بيومين وكنت أتابعه وهو مسافر إلى أن وصل إلى الساحة بالشيخ زويد بسيناء، قال لي خلاص أماني انا وصلت لا تقلقي...سوف أتحرك إلى الكمين الجوره بعد شوية ودي كانت حاجة غريبة؛ لأنه يتحرك للكمين في اليوم التالي وليس بنفس اليوم».

كان فخرًا للعائلة
وتابعت: «محمد» أهداني قرار نقلي من مدينة ناصر إلى بني سويف، قبل استشهاده بـ48 ساعة، وهذه كانت أهم هدية أهداها لي، وأعتبرتها صدقة جارية عنه، وأضافت: «محمد» كان فخرًا للعائلة جميعًا وهو حي يرزق، وازداد فخرنا به بعد استشهاده بهذه الطريقة البطولية التي ستتحدث عنها أجيالًا لسنوات قادمة، وأدعو من الله أن يصبح أبني ضابطًا في الجيش «ليأتى لي بثأر خاله من خوارج العصر».

صديق الشهيد
وقال أحد الأصدقاء المقربين للشهيد، هو محمد خليل وشهرته ميدوـ ذكر اسمه بالوصية: عقب استشهاد محمد دائمًا ما أتذكر له مواقفه الإنسانية، وكان أخرها عندما شاهد موقفًا لشاب يقوم بضرب أمه بعرض الطريق فما كان منه إلا أن أنفجر بالبكاء وقال «لا يعرف قيمة أمه.. الله يرحمك يا أمى» ثم قام بالإمساك بالشاب وتكتيفه بقوة حتى شعر الشاب بالعجز تماما وبدأ يخاف وشعر أنه ضابط.. فبدأ يصرخ فقامت الأم بالتوسل للشهيد أن يتركه.. فنظر الشهيد باسي لها وقال له هل رأيت ؟؟ لم تتحمل عليك شيء وأنت جاهل قاسي القلب عليها والله لولها ما تركتك.

التكريم بالشكل اللائق
وتابع: الشهيد كان له دلالات ايمانيه وانسانيه عميقه، وخير دليل على ذلك وصيته التي زلزلت مواقع التواصل الاجتماعي، وقد كان لى عظيم الشرف أن اكون واحد بعد شقيقه الذي اختصنا فيها، وطالب من المسئولين بتكريم اسم الشهيد التكريم اللائق، مشيرًا إلى المحافظ وافق على إطلاق اسمه على ميدان الزراعيين، ولكن تم التعامل مع القرار بتراخي، فاللأفتة التي تم وضعها في الميدان أشتراها شقيقه على حسابه الخاص ولم يتم انارتها حتى الآن، مطالبًا بإطلاق اسمه على إحدى المدارس ومنحه «نجمة سيناء» تقديرًا لجهوده وتضحياته التي نتشدق بها اليوم.

الرزانة والتريث
وقال المقدم محمد الجمهودى، صديق الشهيد: «محمد» كان يتسم بالرزانة والتريث قبل اتخاذ أي قرار، وأنا عاشرته في الكلية ولمست فيه هذه الصفات القيادية، وهو ما أشار أليه الفريق صدقي صبحي، وزير الدفاع، عند تكريم هارون العام الماضي، وكان لى الشرف أن حضرت احتفالية التكريم بدعوة من «هارون» وحينها جاء الدور لتكريمه فقال عنه وزير الدفاع «هو ابن من أبناء مصر المرابطين في سيناء ويتسم هارون بالحكمة في تقدير الموقف واتخاذ القرار» وكم من مرة كرمه الرئيس السيسي، لدوره الرائع مع رجاله في نجاح الحرب الدائرة الآن في سيناء ضد أعداء الوطن.
الجريدة الرسمية