الإسلام والإظلام
جاء مصري غير مسلم إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، شد الرحال إليه وقطع الفيافي باحثا عن حريته التي أهدرت، دخل على عمر خالعا عمامته رافعا صوته، مستغيثا: يا أمير المؤمنين عائذ بك أنا من الظلم، ألستم تزعمون أنكم تحفظون للناس حرياتهم، كل الناس ولو خالفوكم في الدين، قال عمر بصوت خفيض وهو يطرق إلى الأرض: عُذت معاذا يا رجل، قل ما عندك، قال المصري وهو يحكي شكايته: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فغضب واقتادني وجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين، شق ذلك على عمر، أفي عهده وخلافته يُظلم الناس وتضيع حرياتهم، أين أنت يا عمر من الإسلام ومن العهد الذي تعلمته من النبي صلى الله عليه وسلم فقطعته على نفسك؟
استضاف عمر الرجل في المدينة معززا مكرما، وكتب إلى عمرو بن العاص يأمره بالقدوم على أن يحضر ابنه معه، ولم يكن أمام عمرو إلا الانصياع لعمر فقدم كما أمره، دخل على عمر وهو يُقَدِم قدمُا ٌ ويؤخر الأخرى، ويلك يا ابن العاص، ما الذي أغضب عليك عمر؟ وفي حضرة عمر كانت المحاكمة الإنسانية التي تحض على العدالة والمساواة، وحين صدر الحكم قال عمر: أين المصري؟
هاأنذا: قالها المصري واجفا مرهفا لا يصدق ما يراه، استطرد عمر: خذ السوط فاضرب ابن الأكرمين، خذ حقك، لا تقبل أن يستعبدك أحد، كل الناس أحرار، فجعل المصري يضربه بالسوط وعمر يستحثه قائلا: اضرب ابن الأكرمين، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو، خذ حقك منه، فقال المصري وقد أخذه العجب: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه، وقال بلسان الحال لا المقال: أخذت حقي منه، شفى نفسي وأبرأ سقمها عدلك يا عمر وانتصارك للحرية والمساواة، فاستدار ابن الخطاب لعمرو موبخا ولائما وعاتبا: مذ كم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟
هذا هو دين الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان عليه عمر، حفظ الدماء والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وتعمير الأرض، لكم أيها الناس الحرية في الاعتقاد فلا إكراه في الدين، فأين المتسلفون والمتأخونون من ديننا؟! أين من يفتون للناس ويقولون لهم إن الإسلام يجيز لهم تفجير أنفسهم في الأقباط لقتلهم! شتان بين الإسلام وأفعال القتل وسفك الدماء، الإسلام نور، والقتل ظلام، والظلام لا يمكن أن ينتسب إلى الضياء؟!.