«إسكافي» يحكم قارة
بعد أن انتهيت من زيارة صديقي في مستشفى الحسين وتحدثت مع الطبيب لأطمئن على حالته، ذهبت للتمشية قليلًا في المنطقة مشاهدًا محال بيع الأقمشة، عندها تذكرت قصة بائع أقمشة وطبيب قدما خدمات مهمة للعالم دون قصد.. وذلك حينما قام البائع بطرد صبي كسول عديم الفائدة يعمل لديه، فترك الفتى مهنة بيع الأقمشة واتجه لكتابة الروايات ليُصبح بعدها هناك ملايين المتابعين لمؤلفات الإنجليزي "هربرت جورج ويلز".. أما البلجيكي "بيير كوليفورد" فقد بكى بشدة عندما رفض طبيب أن يوظفه مساعدا له ليضطر عندها للموافقة على العمل في استوديو رسم، وهناك اكتشف موهبته الحقيقية، فاخترع شخصية "السنافر" الشهيرة التي جعلته في مصاف الأغنياء والمشاهير.
ولأنني وجدت أن جرعة الإحباط التي أتلقاها عند تصفحي لموقع فيس بوك كافية لقتل "فيل" ضخم بصحة جيدة أو على الأقل إرسالي للمستشفى بجوار صديقي، لذا قررت في شم النسيم الماضي ألا أُلون "البيض" مكتفيًا بمحاولات تلوين هذا "المقال" بقصص من نجاحات المبدعين.
المبدع هو الذي يفكر خارج الأطر التقليدية بينما يحاول البعض أن يُغرقه بالروتين لإجباره على الدخول في منظومة ثابتة تشبه المستنقع الراكد مثلما حدث مع "جوان" التي كانت تقوم بتربية ابنتها بالكاد عبر إعانات الخدمة الاجتماعية الضئيلة ولكنها فجأة قررت تحقيق حلمها القديم وهو كتابة قصص للأطفال، وبالفعل انتهت من روايتها الأولى ولكن رفضها كل الناشرين باستثناء ناشر واحد تقبلها على مضض ليُفاجأ بعدها بالتوزيع الضخم للرواية حتى أصبح بين أيدينا الآن سلسلة روايات "هاري بوتر" فيما أصبحت ثروة الكاتبة "ج. ك. رولينغ" تتجاوز المليار دولار!
بقدر ما يصدمنا الرفض والاستماع لكلمة (لا) إلا أن تقاطع حرفي اللام والألف يشكلان مفترق طرق يجعل من الضروري إعادة التفكير واتخاذ القرار إما بالاستمرار في السعي وراء الحلم أو التخلي عنه لصالح آخر يتناسب مع إمكانياتنا الحقيقية.. وهو ما حدث مع "ماركوني" الذي استمر في تجاربه التي مهدت لاختراع الراديو رغم تلقيه تهديدات بالقتل من أشخاص اعتقدوا أن الموجات الكهرومغناطيسية ستمر من خلال أجسامهم وتحرمهم من النوم، كذلك لم ينجرف لليأس بعد استماعه لنصيحة والده الذي طالبه بالتوقف عن تجاربه والبحث عن عمل حقيقي، وهي نصيحة أبوية مشابهة لرأي والد "ستالين" الذي درس إمكانيات وقدرات ابنه وقرر أن يُلحقه بالعمل معه كإسكافِ، وبدلًا من أن يعمل الأخير في صناعة الأحذية أصبح حاكمًا لدولة مساحتها تعادل قارة أمريكا الشمالية بالكامل ليخيب ظن والده مثلما خيب طفل آخر تقديرات المدرسين الذين اعتبروه الأكثر غباءً في المدرسة فأصبح بعدها بسنوات اسم "آينشتاين" مقترنًا بالذكاء والعبقرية.
يأتي تقييم الآخرين بمثابة عين إضافية قد تُهديك للطريق الأنسب، وليس قدمًا تسير عوضًا عنك أو يدًا تمنعك من المُضى نحو ما تؤمن به ولكن مثلما يسيء الآخرون أحيانًا تقدير موهبتك فقد تخطئ أنت نفسك في فهمها؛ فتخلط بين ما تتمناه وما تستطيع تحقيقه وعندها سيكون من الأمانة أن نُصدمك ونشير إلى تقاطع حرفي اللام والألف.