محاكمة "إخوان" الإمارات
فى 16 أبريل، سيلتقى ولى عهد أبوظبى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذى من المتوقع أن يصبح الرئيس القادم لدولة الإمارات العربية المتحدة، مع الرئيس أوباما فى البيت الأبيض لمناقشة "العلاقات القوية والدائمة" بين البلدين و"المصالح الاستراتيجية المشتركة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط الأوسع".
ومن بين المواضيع التى من المؤكد أنها ستكون فى طليعة مباحثاتهما هى الإجراءات الأمنية الأخيرة التى اتخذتها الإمارات العربية المتحدة لاستهداف جماعة "الإخوان المسلمين" المحلية المعروفة باسم دعوة "الإصلاح"، حيث تجرى محاكمة أربعة وتسعين شخصاً -- معظمهم من أعضاء "الإصلاح" كانوا قد اعتقلوا خلال العام الماضى -- بتهمة التنسيق مع جماعات أجنبية والتآمر للاستيلاء على السلطة، من بين تهم أخرى، وهناك توقعات واسعة النطاق بأن ولى العهد هو العقل المدبر وراء فرض تلك القيود الصارمة.
وترتبط مخاوف الإمارات من جماعة "الإصلاح" فى هذه الأيام بصعود الإسلاميين عبر أنحاء الشرق الأوسط فى أعقاب الانتفاضات العربية، ولا سيما فيما يتعلق بمصر، مسقط رأس «الإخوان المسلمين» ونواتها.
وتشعر أبوظبى بالقلق من أن تسعى دعوة "الإصلاح" إلى تحقيق نفس الهدف السياسى الذى حققه «الإخوان» فى مصر بتوليها السلطة بعد الإطاحة بالحكومة. وفى الأسبوع الماضى ألمح قائد شرطة دبى اللواء ضاحى خلفان المعروف بصراحته إلى وجود أدلة لدى الحكومة بأن "الجماعة" تخطط للإطاحة بحكام الخليج، وأن الأفراد الذين يحاكمون حالياً قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة فى خططهم المثيرة للفتن قبل أن يتم اعتقالهم.
ومن بين المشتبه بهم البالغ عددهم أربعة وتسعين عضواً من أعضاء دعوة "الإصلاح" هناك أفراد طالبوا بالإفراج عن أعضاء جماعة "الإمارات 7" -- وهم مجموعة من أعضاء "الإصلاح" جردوا من جنسيتهم فى ديسمبر 2011 بسبب ما زعم بأنهم يشكلون تهديداً أمنياً، وتم اعتقالهم فى أبريل 2012 -- إلى جانب مؤيديهم وأفراد أسرهم وآخرين أعربوا عن وجهات نظر انشقاقية، وأعضاء جماعة "الإمارات 7" أنفسهم.
وهناك العديد من الشخصيات البارزة فى صفوف المعتقلين من بينهم: حمد رقيط، أحد مؤسسى "جماعة الإصلاح" من الشارقة وعيسى السويدي، المدير السابق لمنطقة أبوظبى التعليمية وأحمد بن غيث السويدي، موظف مدنى رفيع المستوى واقتصادى معروف والمدونون خليفة النعيمى وراشد الشامسى وعمران رضوان. وينتمى السويدى والشامسى والنعيمى إلى بعض أكبر القبائل فى دولة الإمارات وأكثرها نفوذاً.
كما تجرى محاكمة المحامين محمد المنصورى ومحمد الركن وسالم الشحي. والركن هو أحد أبرز المحامين فى البلاد فى مجال حقوق الإنسان، وكان قد ساعد فى الدفاع عن اثنين من أعضاء جماعة "الإمارات 5" (اتهما فى عام 2011 بإهانة السلطات علناً ولكن تم الإعفاء عنهما فى النهاية)، وكذلك أعضاء جماعة "الإمارات 7". وتم اعتقال الشحى لدى وصوله إلى مكتب نيابة أمن الدولة لتمثيل الركن.
وتكمن القاعدة الشعبية لـ دعوة "الإصلاح" فى رأس الخيمة والشارقة وغيرها من المناطق الأكثر فقراً شمال الإمارات. وقد تلقت "الجماعة"، التى قد يصل عدد أعضاؤها إلى20,000 شخص من بين السكان الذى يزيد عددهم عن مليون مواطن فقط من الذين يحملون الجنسية الإماراتية، معاملة خاصة من قبل القادة المحليين هناك، وينحدر العديد ممن يخضعون للمحاكمة من تلك المناطق. ويشكو سكان الشمال من ارتفاع معدلات البطالة وسوء الخدمات العامة والبنية التحتية وانعدام الفرص، وهى ظروف كانت تشكل جانباً هاماً من الفوران الثورى فى دول عربية أخرى. كما ينظرون أيضاً إلى الاختلافات الصارخة بين ظروفهم المعيشية وحالة البهرجة التى يعيشها سكان أبوظبى ودبى فى الجنوب.
وبعيداً عن التهديدات المحددة، قد يمثل استهداف الحكومة لـ جماعة "الإصلاح" فى هذه المناطق جهداً أكثر عمومية لوأد أى تعبير عن السخط فى مهده. ولا توفر الصفة الملكية حتى حماية فى تلك الحالات -- فقد تم اعتقال رئيس دعوة "إلإصلاح" الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، ابن عم حاكم رأس الخيمة، فى أبريل 2012 وهو يواجه المحاكمة أيضاً.
ستكون هناك تداعيات مهمة لنتيجة المحاكمة، لا سيما إذا تمخض عنها إدانة المدعى عليهم بتهمة التحريض وإثارة الفتنة. إن صدور حكم بالإدانة يشمل عرض أدلة مقنعة سوف يسيء لسمعة دعوة "الإصلاح" على الصعيد المحلى والدولي، ويجرئ الحكومة على اتخاذ إجراءات إضافية مستقبلية ضد "الجماعة" بدعم خارجى قوي. ومع ذلك، فدون قيام مثل هذه الأدلة، فإن الإدانة سوف تترك أبوظبى عرضة لاتهامات دولية بأنها تقوم بقمع الدعوات السلمية من أجل الإصلاح.
وكان بعض الخاضعين للمحاكمة من بين أكثر من 100 إماراتى وقعوا على عريضة لم يسبق لها مثيل إلى الشيخ الرئيس خليفة بن زايد آل نهيان و"المجلس الأعلى الاتحادي" فى البلاد فى 9 مارس 2011، عندما بدأت الانتفاضات العربية تكتسح المنطقة. وتدعو العريضة إلى إجراء انتخابات شاملة ومنح سلطة تشريعية كاملة إلى "المجلس الوطنى الاتحادي"، وهو حالياً هيئة استشارية يتم انتخابها جزئياً من قائمة مختارة توافق عليها الحكومة. كما يخضع للمحاكمة أنصار للموقعين على العريضة وبعض أفراد عائلاتهم.
ومهما يكون قرار الحكم، من المرجح أن تقوم جماعة "الإصلاح" بتكثيف أنشطتها السياسية. وبناءً عليه، ينبغى على واشنطن أن تشجع أبوظبى على تعزيز مكانتها فى الداخل والخارج من خلال تقديم أدلة للجمهور حول الجرائم المزعومة.
• نقلاً عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.