رئيس التحرير
عصام كامل

أحلِف بسماها وبترابها.. جيلنا هوَّ اللي خَرَبْها


دعوني أعترف أنا البائس كاتب هذه السطور بأنني أحد رموز الجيل العبيط.. جيل انهارت ثوابته التي تربى عليها ومازال "فاشخا فمه" دون أن يحرك ساكنًا.. جيل يعيش ويرى كيف أصبح العدو شقيقا، وكيف أصبح من حاربك واحتلَّك ونكَّل بك وأشقاك هو الصديق الأولى بالاتِّباع.. جيل يعيش ويرى كيف أصبح مقام السيد البدوي أعَزّ من القدس ولا يعتريه الخجل.


أتحدث بكل شفافية.. شفافية قناعات وثوابت تربَّى عليها جيلي العبيط.. الأخطر أنه أسهم في ترسيخها بالترويج لها وتقديسها وتثبيتها بالتراكم حتى صارت بديهيات، في حين أنها لم تكن سوى عناوين لأكبر عمليات نصب في التاريخ والدليل أننا الآن نعيش مرحلة النقيض التام لما عشنا عليه بالأمس.

وعلى سيرة الشفافية.. كنت أفسر الشيء الشفاف بأنه ذلك الشيء الذي نستطيع أن نرى من خلاله ما يدور خلفه.. وقلت إنه مثل خرم الباب.. الآن فتحت الأبواب على مصارعها، ومن ثم لا ضرورة للخرم؛ لأن الباب كله أصبح خرمًا.

وانطلاقًا من الشفافية أقول.. علينا أن نقر أننا نعيش مرحلة من أسوأ مراحل العمر في تاريخنا.. لكن العقل يقول إن السياق العام يفرض علينا طريقة تعاطى الأحداث بالقدر الذي يبقينا على قيد الحياة.. نتعاطاها مهما كانت مُرَّة كالحبوب.. أو مؤلمة كالحُقَن.. أو مُخْجِلَةً كما هو الحال في طريقة تعاطى اللبوس.

دعوني أكمل التحفيل على جيلي الذي خربها.. في الحفل لا بد من فقرة عن المستعبطين من أبناء جيلي المتمسكين بلقب ناشط سياسي.. وفيما يبدو أن سوق النشطاء السياسيين لا تعترف بالسن رغم حداثة المصطلح وارتباطه بالشباب.. هذا رجل تخطى السبعين.. أتابعه في ظهوره المتكرر في برامج التوك شو بصورة لافتة، ويقدمونه على أنه ناشط.. والله لا تفهم من كلامه شيئًا سوى مساء الخير عليكم وعلى السادة المشاهدين.. قال عن تقدمه في السن وتمتعه بصحة تسمح له بالنشاط السياسي.. إن أمه كانت تتمنى له طول البقاء.. تطلعت في وجهه على الشاشة، فتأكدت أن أمه تمَنَّت له طول البقاء.. وطول الودان!

إليكم فاصل خفيف في حفل الليلة.. عن عواجيز البلد.. جاءنا الخبر التالي:

خلال المؤتمر الصحفى لأصحاب المعاشات، نشبت مشادات كلامية حادة كادت تتطور إلى مشاجرات طحن بالأيدى والعكاكيز.. وقد لفت الانتباه إلى أن أحد أصحاب المعاشات عض واحد صاحبه فبذل المسعفون جهودًا مضنية حتى انتزعوا طقم أسنان العضاض من ذراع زميله.

أعود بعد الفاصل لاستئناف فقرات الحفل على الجيل الأهبل.. الفقرة هي قصيدة "مرايتى"ــ خد بالك ياعم الحاج اسمها مرايتى مش مراتى ــ حتى لا يستهبل أحد ويقول معلش يابنى العتب على النظر والعضمة كبرت والحبشتكانات دى.. وفيما يبدو أن صديقى العجوز الجميل بهى الدين عبد اللطيف، كتب القصيدة بعد أن وقع في الغرام بغتة، ثم أفاق على حقيقة تقول "العشق بعد الستين زى المشى في الطين".. ندخل على القصيدة التي تنتهى بمفاجأة لم تكن في الحسبان.. ولكني أراها نهاية يستحقها جيلي العبيط..

باشوف في مرايتى قُدامى/واحد غيرى واحد تانى/على عيونه دواير كعب كوباية / بدون أسنان.. شبح إنسان/ ومن قلبى ووجدانى ومن جوَّة/ أنا رافض أكون هوَّة/ فين الشعر الطويل الأصفر؟ / فين الضحك اللى كان بيلوِّن الخدين؟ / فين القمر اللى كان ماشى هنا برِجْلين؟ / فهل معقول أكون هوَّة؟!/ أشاوِر له يشاوِر لى/ وابحلق فيه يقلِّدنى / ويعمل زَيِّى ويكيدنى/ وارِفّ بعينى ليَّا يرِف/ وفى الآخر عليَّا يتِف.
الجريدة الرسمية