بالفيديو والصور.. رحلة البحث عن منحة الحكومة أمام مكاتب البريد
الجميع يحتشد بشكل جنوني، يتسابق في محاولة الوصول إلى أول الشباك، "الحق الحكومة منزلة منحة عشان رمضان، لا ياعم دا الأزهر" كلمات ستصل إلي أُذِنَيك عندما تطأ قدماك المكان ، ولكن في هذا الوقت لا يهم اسم الجهة التي ستقدم لهم المعونة ولكن الأهم هو الحصول عليها، هكذا هو حال البسطاء الذين أنهكتهم متاعب الحياة والارتفاع الجنوني للأسعار في الآونة الأخيرة.
الكل يتسابق لتقديم أوراقه، أمام مكتب مركز الخدمات البريدية بحلوان، علها تصل إلي المسئولين، ويرأفون بحالتهم التي تكاد تكون منعدمة، وجوه تحمل متاعب الحياة القاسية لا حول لهم ولا قوة، مغلوبون علي أمرهم، يتصارعون، تتعالى أصوات بعضهم علي بعض لعل أحدهم يستطيع الوصول إلي "أول الشباك".
أتوا من أماكن مختلفة، فمنهم من قطع مسافات بعيدة عن حلوان، ولكن تلك المسافات تهون عندما يحصلون علي الأموال، فشاغلهم الأكبر هو توفير قوت أولادهم من مأكل ومشرب، صرخات مكتومة من الجميع ليسمعها المسئولون لتلبية احتياجات هؤلاء الفقراء.
لأقعدن علي الطريق وأشتكي وأقول ..."معيش فلوس أكل عيالي"، هكذا وجدنا "فاطمة محمد"، في عقدها الأربعين، لديها 6 أطفال، وزوجها عامل باليومية، تعيش في شقة صغيرة بمنطقة التبين، تجلس علي الرصيف بجوارها إحدى السيدات التي تنظر هي الأخرى أن تحصل علي معونة التضامن الإجتماعى قدرها 600 جنيه، والتي تأتي كل شهر إلي مكتب البريد لتحصل عليها فتقول :" في الغلا مفيش حاجة مقضية بس أهو الـ 600 جنيه يساعدونا، أولادي كلهم في المدارس ولسه صغيرين وكلهم بياخدوا دروس ودا يشكل عبء علينا، عايزين الحكومة ترحمنا من ارتفاع الأسعار دا ".
"محمد علي" في الستينيات من عمره، لا يتحمل الوقوف علي قدميه كثيرًا، يتكئ علي إحدى العربات المتواجدة أمام مكتب البريد، لعله يرتاح قليلاً من همومه اليومية التي تؤرقه فيقول: "أنا جاي النهاردة عشان أقدم علي طلب مشيحة الأزهر بتاعت رمضان، بس لسه محدش عارف قيمتها كام بس هتساعدنى في المعيشة، أنا لا أملك مصدر رزق، ومعايا بنتي مطلقة وقاعدة معايا هي وأولاده، وبنطلب مساعدة من ربنا للناس الغلابة".
"إحنا في أشد الحاجة ليها" كلمات بدأ يرددها أحمد محمد السيد، ذو الخمسين عامًا، ليروي تفاصيل حياته اليومية التي لا يستطع تحملها ليصرخ من الحياة التي تؤرقه فيقول، "بدفع إيجار 700 جنيه، ومليش دخل خالص، وجيت النهاردة عشان أقدم علي منحة الأزهر عشان إحنا في أشد الحاجة ليها".
وتابع بحسرة قائلاً :"أنا قدمت قبل كدا في معاش التضامن الاجتماعي ومجاليش، واتفاجئت إن في ناس معاها عماير وأملاك جالها وأنا قاعد في شقة بالإيجار ومعنديش دخل مجتليش، وبدفع دم قلبي عشان أعمل تأمين لأولادى ينفعهم بعدين".
الحاجة زينب تجلس علي أحد الأرصفة أمام مكتب البريد، تنتظر أن يأتي دورها لتقوم بتقديم أوراقها ليعلو صوتها فور الاقتراب منها لتصرخ وتقول:" جايين تعبانين ومش لاقيين نأكل وجايين عيالنا مبهدلين، مشويين من الكهربا والغلا إلي إحنا فيه، سمعنا الناس بتقول بيدوا فلوس فا جينا نعمل، أنا جوزي متوفي ومعايا أربع عيال، ومحتاجين أي مساعدة عشان الزمن إلي إحنا فيه دا زمن صعب أوى، والناس الغلابة بقت ضايعة خالص وبتقطع في نفسها".
وبين حالة الفوضى الهوجاء، وذل الفقر وكسرة النفس المنتشرة بالمكان، سنجد أطفالا لاحول لهم ولاقوة، مغلوبون علي أمرهم، أعينهم تملؤها الحسرة والحزن، عيون تصرخ في وجه الفقر، فقد ألزمهم منذ نعومة أظافرها أن يواجهون مرارة العيش وصعوبة الحياة منذ الصغر، يحاولون احتضان أمهاتهم ليختبئوا من حرارة الشمس، لا يدركون لماذا أتوا إلي هنا ولكن ما يهمهم هو أن يجدوا في النهاية ما يشبع جوعهم.