رئيس التحرير
عصام كامل

صراع «سعودي-إماراتي» للسيطرة على الأزهر الشريف.. زيارة أحمدي نجاد للمشيخة أول حلقة في «مسلسل الأزمة».. مؤتمر الشيشان يجهض محاولات الرياض للسيطرة.. و«الطيب» يبدأ مهمة تنقي

 الإمام الأكبر الدكتور
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب

 الهجوم على الأزهر الشريف والنيل من شخص الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، أصبح حديث الساعة في مصر وخارجها، فعقب أحداث الأحد الدامي، الذي استهدفت فيه يد الإرهاب الغاشم كنيستي مار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية تعالت الأصوات المطالبة بتقديم "الطيب" استقالته، محملة إياه مسئولية تفشي الفكر المتطرف ورعاية الإرهاب والتقاعس عن اتخاذ خطوات ملموسة في تجديد الخطاب الديني، وغير ذلك من الاتهامات التي هبطت فوق رأس الرجل على غير إرادة منه.


زيارة "نجاد" تفجر الأزمة
الهجمة الشرسة ضد الدكتور أحمد الطيب، ومؤسسة الأزهر الشريف، لا يمكن التعامل معها كونها وليدة اليوم كما يظن البعض، لكنها نتاج تراكمات عدة تحديدا في فبراير من العام 2013، حين زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الإمام الأكبر في مقر المشيخة بالدراسة، وهى الزيارة التي أعقبها انفتاح تدريجي للأزهر على إيران، وهو ما أثار مخاوف المملكة العربية السعودية، ودفعها إلى التدخل الحذر لتطويق هذا المد الشيعي، وتحجيم دوره داخل أعرق مؤسسة إسلامية سنية في العالم.

ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن المملكة العربية السعودية سعت - آنذاك - من خلال هذا التدخل غير المباشر في بدايته إلى هدفين رئيسيين؛ أولهما تطويق المد الشيعي والقضاء على أي نفوذ أو حتى تقارب إيراني مع دولة أو مؤسسة بالمنطقة العربية، والهدف الثاني فرض سيطرتها على مؤسسة الأزهر.

الرياض تخطب ود "الطيب"
المصادر ذاتها، أكدت أن الجانب السعودي حين قرر التعامل مع هذا الملف بالغ الأهمية، كان يضع في اعتباره الميول الصوفية للدكتور أحمد الطيب وعدم قناعته بالفكر الوهابي من جهة، إصراره على فتح قنوات حوار يضمن التعايش السلمي بين أتباع المذاهب والديانات جميعًا دون تفرقة بين هذا أو ذاك من جهة أخرى، إلى جانب عناده الشديد وعدم رضوخه لأية أوامر تملى عليه من أشخاص أو جهات، لذلك قررت "الرياض" خطب ود "الطيب" عن طريق إغرائه بتمويل حزمة من المشاريع المهمة.

زيارة الملك سلمان للأزهر
المصادر أضافت، أن التدخل السعودي بدأ يظهر بقوة في أبريل عام 2016، حين زار الملك سلمان بن عبد العزيز، الإمام الطيب، في مقر المشيخة بالدراسة؛ حاملًا معه حزمة من المشروعات التنموية غير المسبوقة للأزهر، تمثلت في إعداد ميزانية مبدئية لبناء بعض أجزاء الجامع، وترميم البعض الآخر؛ بالإضافة إلى تخصيص ميزانية ضخمة لقناة "الأزهر" المتحدث والناطق الرسمي باسم المؤسسة، والاستعانة بكبار الإعلاميين في مصر وخارجها للعمل بها، وإنشاء مجمع استوديوهات يضمن للقناة التميز والبث المباشر دون أي عراقيل تعوق عملها، مع إيداع مبلغ مالي كبير في حسابها يحقق لها الأمان وضمان استمرار البث دون توقف لسنوات مقبلة.

وتابعت: من ضمن حزمة المشروعات التنموية غير المسبوقة التي أهدتها المملكة للأزهر، كان وضع العاهل السعودي حجر الأساس لبناء مدينة البعوث الإسلامية الجديدة، وتحمل تكلفتها بدءا من شراء الأرض المخصصة لهذا الغرض والتي بلغت مساحتها 18 فدانًا، ومرورا باستكمال المنشآت وحتى افتتاحها.

غضب الوهابيين
إلا أن الود سرعان ما انقلب إلى خصومة غير معلنة - والحديث للمصادر ذاتها – عقب مضي شهور قليلة من زيارة العاهل السعودي لـ "الطيب" وبالتحديد في أغسطس من عام 2016، حين تحدث الإمام الأكبر في البيان الختامي لمؤتمر "أهل السنة والجماعة" الذي عقد بالشيشان عن كل الطوائف والمذاهب ما عدا الوهابية، وهو ما أثار - وقتها - غضب "الوهابيين" ضد الرجل، واتهموه بتعمد إخراجهم من عباءة أهل السنة وطالبوه بالاعتذار، وحين رفض الأخير تقديم اعتذار - على عكس ما هو معلن - أسروها له وبدءوا في خطة محاصرته.

المصادر أكدت، أن خطة محاصرة الإمام الأكبر من الجانب السعودي، بدأت بالتراجع عن تمويل حزمة المشاريع المهمة التي أعلنت عنها المملكة والتي ذكرناها سابقًا، وكانت أولى خطوات هذا التراجع هي سحب الميزانية المخصصة لتمويل قناة "الأزهر".

الإمارات بديلا للسعودية
وأضافت أن ظهور بوادر الأزمة بين الأزهر الشريف والمملكة العربية السعودية شجعت دولة الإمارات على طرح نفسها كبديل مستعد لتوفير النفقات اللازمة لتمويل أي مشروعات تريد المشيخة إنشاءها، وهو ما حدث بالفعل؛ فعقب تراجع الجانب السعودي عن تمويل قناة الأزهر تكفلت الإمارات بكل النفقات المالية التي تحتاجها القناة للخروج إلى النور، ومن المتوقع أن يُعلن عن انطلاق البث الرسمي لهذه القناة قريبًا، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل خصص الجانب الإماراتي مبلغًا ضخمًا لتطوير جريدة صوت الأزهر لتخرج في ثوبها الجديد لتضمن بذلك أن يكون للأزهر خلال فترة وجيزة صرح إعلامي متكامل يتحدث باسم المشيخة ويدفع عنها أي شبهات تثار حولها.

تمويل إماراتي لترميم الأزهر
المصادر أشارت، إلى أنه في ظل ظهور الجانب الإماراتي كداعم للأزهر، خشى مسئولو المملكة العربية السعودية التراجع عن تمويل مشروعي ترميم الجامع الأزهر، وبناء مدينة البعوث الإسلامية الجديدة، وعرضت على الإمام الأكبر مقابل استمرارها في تمويل هذين المشروعين موافقته على افتتاح فرع لجامعة الأزهر في المملكة، إلا أن الأخير رفض وبشدة هذا العرض، وعقبها وقع "الطيب" اتفاقية مع الدكتور محمد مطر الكعبي رئيس الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات، لإنشاء فرع لجامعة الأزهر هناك.

المصادر المطلعة أوضحت كذلك أن كل ما سبق كان بوادر للأزمة الكبرى بين الأزهر الشريف والمملكة العربية السعودية، والتي ظهرت علانية على الملأ حين علمت الأخيرة بتحمل الجانب الإماراتي نفقات تمويل مكتب للأزهر يقع في شارع محيي الدين أبو العز بمنطقة الدقي بمحافظة الجيزة، يديره شخص يدعى "مصطفى. ع" كان رئيسًا لتحرير أحد المواقع الإلكترونية الشهيرة، ومهمة هذا المكتب تتلخص في إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وكل ما له علاقة بالإسلام، خاصة المؤلفات التي يتداولها الأزهر وتنقيح كتب الفقه والتراث من الفكر الوهابي المتشدد، وحذف كل كلمة وردت في هذه الكتب على لسان أو بأقلام شيوخ الوهابية.

المصادر ذاتها، أكدت أن هناك فريقا من علماء الأزهر يزور هذا المكتب مرة أو مرتين على الأكثر كل أسبوع لعمل المراجعة النهائية لكل ما تم جمعه وتنقيحه على مدار الأسبوع، وفي حال قراءتهم لموضوع يتحدث عن قضية دينية معينة ويتكون من 500 كلمة - على سبيل المثال – ووجدوا فيه رأيا لـ "شيخ وهابي" لا يتجاوز بضع كلمات يحذفون النص بالكامل ويطالبون القائمين على العمل في المكتب بإعادة صياغته من جديد مع ضرورة حذف رأي أو فتوى الشيخ الوهابي منه، وحتى لو كان هذا الشيخ من خريجي الأزهر.

تنقيح الكتب من التراث الوهابي
اكتشاف أمر المكتب المنوط به تنقيح كتب التراث من الفكر الوهابي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير - والحديث ما زال للمصادر ذاتها - وجعلت الجانب السعودي يستشيط غضبًا من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وكان وقوع تفجيرات كنيستي مار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية بمثابة الهدية التي جاءت على طبق من فضة للمملكة لتمول حملة إعلامية شعواء تهدف من ورائها إلى تحقيق مكسب من اثنين؛ أولهما: إرغام "الطيب" على الاستقالة، وبالتالي خسارة الأزهر لأهم مكسب حققه خلال السنوات السابقة وهو تحصين شخص الإمام الأكبر من العزل وهو ما ضمن الاستقلالية للمؤسسة، وثانيهما تراجع الشيخ الطيب عن إكمال خطة تنقيح كتب التراث وحذف كل رأي وهابي منها.

الامارات تدعم الأزهر إعلاميا
في المقابل – حسب تأكيد المصادر- الجانب الإماراتي لم يقف مكتوف الأيدى تجاه ما يدبر للإمام الأكبر وخصص ميزانية ضخمة لحملة إعلامية للرد على ما يثار حول الأزهر من شبهات تتضمن عقد العديد من المؤتمرات والندوات، تبدأ بندوة يعقدها فريق "أزهريون على المنهج" الأربعاء المقبل بمقر كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة تحت عنوان: "ماذا قدم الأزهر لمصر وللإسلام؟"، ويحاضر فيها كوكبة من كبار علماء الأزهر.

"نقلا عن العدد الورقي"...
الجريدة الرسمية