رئيس التحرير
عصام كامل

مزرعة الموت.. والمسيحيون ليسوا مكسر عصا


هالني حجم ترسانة السلاح في "مزرعة الموت" بالبحيرة، وهي أسلحة وذخائر ومتفجرات "جيش" وليس "عصابة إرهابية"!.. المزرعة بمثابة "أكاديمية إرهاب"، لا تختلف عن الحرس الثوري الإيراني وفروعه في لبنان والعراق واليمن وسورية وغزة. أعدت لتدريب الإرهابيين من أعضاء التنظيم وتصنيع المتفجرات واستخدام السلاح وتخزينه لشن حرب طويلة الأمد ضد الدولة.. وثبوت ملكيتها لأحد قيادات"الإخوان" دليل دامغ على أن ما يحدث من إرهاب تقف وراءه الجماعة المحظورة، لنشر الفوضى والفتنة بالبلد وجرها إلى حرب أهلية تستدعي التدخل الأجنبي، وبهذا يصبح هناك مبرر لتقسيم البلد لصعوبة التعايش بين المسلمين والأقباط، وهو المخطط الذي كان سينفذه "الإخوان" لو دام لهم الحكم.


طبعا من حق الجميع أن يفرح ويحتفي بالإنجاز الأمني الذي تحقق.. لكن هناك بعض التساؤلات يجب ألا تغيب. أولها لماذا تأخر الكشف عن الصيد الثمين؟ وأين كانت تحريات ومعلومات أجهزة الداخلية عنه طوال الأشهر الماضية؟!.. لماذا يسترخي الأمن ولا يستنفر للعمل إلا بعد وقوع الكارثة وأكبر دليل ترسانة "مزرعة الموت" بعد تفجير الكنائس؟!.. كيف تتضمن أسماء المتورطين في التفجيرات الإرهابية مريضا بالقلب لا يستطيع التحرك كثيرا، وبمجرد أن وجد اسمه بين المتهمين قام بتسليم نفسه للنيابة، وأثبت أنه لم يغادر "رأس غارب" منذ أشهر، كما طلب خلال التحقيق الاستعلام عن جميع الاتصالات التي أجراها خلال السنوات الماضية، فأفرجت النيابة عنه بعد تأكدها من براءته، ما يعني أن الاستعجال في ضبط جناة تفجير الكنائس لتهدئة الراي العام العالمي، تسبب في ارتباك أمني معتاد نتج عنه اتهام بريء، ومن يدري ربما يتمكن غيره من إثبات براءته، ما يستدعي بالضرورة تغيير أسلوب العمل الأمني.

نأتي إلى السلاح المضبوط في المزرعة وكثير منه إيراني الصنع، ما يؤكد على التعاون الوثيق بين إيران والإخوان وأنهما وجهان لعملة واحدة. لكن ألا يشير وصول السلاح الإيراني متعدد الأنواع إلى قصور أمني في ضبط الحدود والمنافذ، وإن لم يكن هناك قصور أمني فهناك ثمة تواطؤ من البعض لتمرير شحنات سلاح للجماعة الإرهابية، وفي الحالتين يحتاج الأمر وقفة حازمة من "الأمن" لتشديد وضبط الحدود برا وبحرا ومعرفة المتواطئين وتطهير الوزارة منهم، خصوصا أن السلاح الإيراني وكثير من وسائل دعم الجماعة الإرهابية تجد طريقها إلى مصر أولا عن طريق غزة بحرا ومن الأنفاق إلى سيناء، ثم من الحدود مع ليبيا والسودان وبحرا عن طريق الحوثيين في اليمن.

الجماعة الإرهابية تسعى لإشعال الساحة الداخلية بافتعال فتنة طائفية، تستوجب أعلى درجات اليقظة والتشديد الأمني والتخلص من المتقاعسين عن العمل، ووضع منظومة تأمين فعالة للكنائس والمساجد والمؤسسات الحكومية والسفارات، فقرار رئيس الجمهورية بنزول الجيش للمعاونة في التأمين يثبت عدم قدرة الداخلية على حفظ الأمن بمفردها، وهذه مشكلة كبيرة يجب على الوزير حلها سريعا، لأن كثيرا من الدول انتقدت الوضع الأمني علنا في سياق التضامن مع مصر والأقباط، وبعض القيادات العربية حملت كلماتها رسائل ذات مغزى منها مثلا تغريدة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري للتهنئة بعيد الفصح، فكتب "أهنئ اللبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصًا، كل عام ولبنان رمز للاعتدال ومنارة للعيش المشترك". ليرد عليه مطران بيروت للروم الأرثوذكس منتقدا "ما يتعرض له الأرثوذكس لبنانيا من إقصاء شبه كامل عن القضاء والمؤسسات الأمنية".

الكلمة القاسية قالها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي: "نشكر الله على نجاة بابا الأقباط تواضروس الثاني، نحن روحيا بقربكم يا مسيحيي مصر متضامنين معكم في ألمكم وصمودكم ومصلين كي يقبل الله قرابينكم لتكون لفداء مصر العزيزة وشعبها وارتداد الأشرار، ونحن اجتماعيا نرفض هذا الاضطهاد السافر الشبيه بعملية صيد متكرر وبشكل مبرمج لإخواننا المسيحيين في مصر ونطلب من اخوتنا المسلمين والدول العربية اتخاذ خطوات رادعة لهذا الاضطهاد والحفاظ على رسالة الإسلام.. وليعلم الجميع أن المسيحيين ليسوا مكسر عصا لأحد، وأنهم خميرة قيم في مجتمعاتهم وهم ضرورة لا غنى عنها لهذه المجتمعات".

أما الرئيس ميشال عون فرأى أن "ما يجري في الشرق له غايات سياسية كبيرة لتقسيم المنطقة إلى دويلات عدة"، وقال: "لنكن منصفين، هذا التردي لم يقتصر في الآونة الأخيرة على المسيحيين فحسب، إذ حلت المرحلة التكفيرية التي ضربت المسلمين والمسيحيين على حد سواء".

هذه الرسائل يجب الامعان فيها وتشديد الأمن والاسراع بتنفيذ الأحكام على المتورطين من "الإخوان"، فالعقاب يردع من تسول له نفسه التخريب.
الجريدة الرسمية