هيبة الأزهر
كل شيء في مصر بالفهلوة والصوت العالي، لا يهم أن تكون دارسًا أو عالمًا أو خبيرًا أو أكاديميًا أو متخصصًا حتى تتحدث في أمر من الأمور، أو تقول رأيًا له وجهاته ومنطق له حجته وكلمه لها حضورها، ولا حدود أو سقف أو خط نهاية يقف عنها أحد -أي أحد-، فلا يوجد محاذير لأحاديث الرغي، فمن حقك أن تتحدث في الذرة والفضاء وعلوم الطيران والحروب والسياسة والاقتصاد والدين، ولما لا والراقصة سما المصري تستعد لتقديم برنامج ديني خلال شهر رمضان، أقول هذا الكلام بمناسبة الهجوم على الأزهر عقب تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية..
البعض اعتبر أنه المسئول الأول عن الحادث بضعفه عن مواجهة الفكر المتطرف، وأن شيخه عليه أن يرحل في هدوء تاركًا المهمة لمن يستطيع أن يؤديها من يتحدث عن جلال الأزهر، ليس مهمًا من يتحدث عن قيمة الأزهر، ليس أمرًا مهمًا من يتحدث عن القيمة، فهو أمر لسنا في حاجة إليه، من يذكر أحد أسباب الفخر في مصر بسوء الإساءات كثيرة فلا تهتم؟
من يتحدث هم جنرالات الكلمة وملوك السخرية وأباطرة الرغي وأساطير الحواديت، حتى الأزهر أصبح مجالًا لطعن رواد المقاهي وعابري الشهرة وحديثي العهد بالكلمة والقلم والبدل الأنيقة وبرامج التوك شو، حتى عمامة شيخ الأزهر أصبحت مقصدًا لكل من قرأ الفاتحة في صلاة جهرية، أصبح الحديث عن هيبة المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي أمر لا محل له من الحضور، الكل يتحدث والجميع يخوض دون وعي، الْيَوْمَ الأزهر وغدًا الكنيسة وبعد غد الشرطة والقوات المسلحة، وباقي مؤسسات الدولة، فلا هيبة لقيمة ولا حضور لماضي عريق يضرب في التاريخ، ولا كرامة لمؤسسة كبري طالما بقي جنرالات فيس بوك على قيد الحياة..
كل هذا يحدث والدولة تسمع وترى وتتابع وتراقب، ما يحدث في حق الأزهر من تجاوز وتجريح وتطاول من بعض من لا تتجاوز حدود معرفتهم أن الأزهر عبارة عن محطة أتوبيس بمنطقة الحسين بالقاهرة، وكأنه أزهر آخر في بلد آخر، هم يتعاملون مع الأزهر بالقطعة مثل مدربي نادي الزمالك، يعتقدون أن كلمة تكفي وصورة تؤدي الغرض ونظرة مضحكة تصفي القلوب، الأزهر ليس أمامه فضيلة الدكتور أحمد الطيب فقط، الأزهر تاريخ الوسطية والاعتدال والاتزان النفسي والدين عمامة الأزهر أوسع كثيرًا من رءوس من يرتديها..
معركة الأزهر هذه المرة أكبر كثيرًا من خلاف شيخه مع وزير الأوقاف وتحدي نفوذه، معركة الأزهر هذه المرة مع من لا يعرف قيمة الكلمة وجلال الرأي ووقار المكان، هذه المعركة مع الغوغاء الذين يستمرون في اللغو دون توقف حتى يظهر حدث جديد يلبي طموحهم في الرغي، الأزهر خط أحمر وقاره من وقار الدولة، هيبته من هيبة المصريين، وجوده من وجودنا، فلا يجب أن نهيل عليه التراب ونتركه عرضة لهجوم كل عابر سبيل.
مؤسسة الأزهر مليئة بالأخطاء والتجاوزات وجبر الخواطر وإبعاد الأكفاء واقتراب حملة المباخر الذين يَرَوْن أن تقبيل يد الإمام مهمة عظيمة سيحفظها لهم التاريخ والدين، المشيخة تعج بالصراعات والإمام غائب دائمًا يعتبر المشيخة استراحة للراحة من عناء الذهاب إلى القرنة كل أسبوع.. شيخ الأزهر سلم المفاتيح لوكيل الأزهر يفعل ما يشاء في اَي شيء وكل شيء يتصدى للمعارك والهجوم بكل حماس، أما الاهتمام بالدعوة وشئون المسلمين فاللبيت رب يحميه أيضًا، المستشار القانوني لشيخ الأزهر الذي تسبق خطواته خطوات الامام وآراءه رأي الإمام وكأنه مستشار ومتبحر في علوم الدين وليس القانون النماذج كثيرة.. ولكنه يبقى الأزهر في النهاية فلا تقتربوا من هيبته ولا يغرنكم حلمه.