«جريمة كل 5 ثوان».. أرقام صادمة من دفتر أحوال المصريين.. غياب التأهيل الاجتماعي والنفسي والثقافي والمهني والظلم وراء زيادة الانحرافات والتجاوزات
يتناسب معدل الجريمة طرديًا مع الزيادة السكانية، فمع ارتفاع نسبة المواليد تتسع دائرة الجرائم بمختلف أنواعها في أي مجتمع، لا سيما أنها مرتبطة بعوامل أخرى كالفقر والبطالة والأمية، فضلا عن سوء الأوضاع الاجتماعية والسياسية.
تتعدد أشكال الجريمة في مصر، من حوادث قتل فردية وسرقات وخطف، وتطورت إلى الاغتيالات والهجمات التكفيرية، بل وصلت إلى الجرائم الإلكترونية.
ومؤخرًا، أثار التقرير السنوى لمؤشر الجريمة العالمى لسنة 2016، الذي يقيس معدل الجريمة بصورة نصف سنوية لـ117 دولة بمقياس يتراوح بين صفر و100، صدمة في مصر لرصده ارتفاع معدل الجريمة في ربوع المحافظات.
احتلت مصر المركز الثالث على مؤشر الجريمة بتقييم 56.53، وسبقتها ليبيا في المركز الأول بتقييم 57.81، ثم الجزائر في المركز الثانى بتقييم 57.58، وحلت الصومال في المركز الرابع بتقييم 55.72، ثم سوريا خامسًا بتقييم 54.73.
لم تأت تلك المعدلات هباءً، بل استندت إلى عشرات الوقائع من الشغب والفوضى والعنف، والسرقة والقتل، إذ سجلت حوادث القتل والسرقة بالإكراه وسرقة السيارات؛ 5814 مقابل 2778 عن العام الماضى، كما تصاعدت حوادث الجنح بصفة عامة وسجلت 40222 مقابل 20695 في العام الذي يسبقه، وكشف التقرير أن نسبة الزيادة في معدل جرائم القتل العمد 130٪.
إحصائيات صادمة
أما معدلات السرقة بالإكراه فقد زادت بنسبة 350٪؛ إذ سجلت 2611 جريمة في عام 2012، بينما سجلت 773 في عام 2011، أما سرقة السيارات فقد زادت بنسبة 500٪؛ إذ سجلت 20375 في عام 2012، بينما سجلت 4973 في عام 2011.
وأكدت إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية أن في مصر أكثر من 92 ألف بلطجى ومسجل خطر ارتكبوا جرائم قتل واغتصاب وخطف.
كما أكد تقرير صدر مؤخرا عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ارتفاع نسبة المسجلين ليزيد على 55% من إجمالى المسجلين البالغ عددهم رسميا 92 ألفا و680 شخصا، بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية، بخلاف غير المسجلين في الأوراق الرسمية.
الشعور بالظلم
وأشار التقرير إلى أن 49.2% من المسجلين أميون، و3.5% فقط حاصلون على شهادات جامعية، كما أن 67% من المسجلين تتراوح أعمارهم بين 20 عاما و40 عاما، وأن 7.47% منهم متزوجون، و2.93% عزاب، و3.11% مطلقون، و3.76% من عينة النساء متزوجات، فضلا عن تنوع الأنشطة الإجرامية، ويأتى على رأسها المخدرات بنسبة 8.34%، فالسرقة 4.24%، ثم القتل 91%، ثم الضرب المفضى إلى عاهة 21%، فالبلطجة 7%، والآداب 9.1%..
أسباب الجريمة
وفى السياق نفسه، كشفت دراسة أجريت بالمركز نفسه، أن وراء الجريمة العديد من الأسباب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والنفسية، والأمنية، من بينها تراخى إجراءات الضبط الجنائى، وضغوط الظروف الاقتصادية، وعدم وجود مصدر للدخل، وغياب التأهيل الاجتماعى والنفسى، والثقافى، والمهنى الجاد، بالإضافة إلى أسلوب المعاملة الخشنة التي يواجهها المسجل خطر في السجن.
الدراسة نوهت إلى أن انحرافات الشباب ترجع في معظمها إلى الفراغ النفسى الذي يشعرون به، كما أن الشعور بالظلم وانعدام العدالة وسيطرة مشاعر اليأس والقلق وراء الجريمة الذي ينتهى بتسجيل الشخص كمجرم.
وجاء في أحد التقارير الأمنية أنه في عام 2015 شهدت مصر 1003 جرائم إرهابية متنوعة، ومن خلال تحليل السياق الزمنى لهذه الجرائم، وطبيعة أهدافها.
وأوضح أن عدد الهاربين من السجون أصبح ٢٥٥٠ بعد أن كان ٢٣ ألفًا، وأن الشرطة صادرت عددا كبيرا من الأسلحة المهربة من ليبيا والسودان والحدود الشرقية، منها ١٤٥٠ قطعة متنوعة بين بنادق آلية ومدافع «آر بى جى»، إلى جانب ١٠٠ ألف طلقة.
تشوهات طبقية
ترى إنشاد عز الدين، أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية، أن حدوث تشوهات طبقية اجتماعية أسهمت في شحن الأجواء العامة وزيادة الميل نحو العنف، مؤكدة أن التراجع الاقتصادى وتفاقم الفقر والبطالة يوفر بيئة خصبة لانتشار الجريمة.
وذكرت أن سوء توزيع الدخل والثروة ينمى الشعور بالحرمان والحسد ويسهم في غرس بذور الجريمة، مضيفة: «بعض الجرائم تقترف من قبل أشخاص صغار السن وقاصرين يحاكمون بأحكام مخففة ويوضعون في سجون وبيئة يفترض أن تكون إصلاحية لكنها للأسف تسهم في مزيد من تلويث أفكارهم وإثارة مشاعر الحقد والضغينة لديهم، الأمر الذي يؤدى إلى معاودة اقترافهم الجريمة مرة أخرى ».
وأوضحت أن من أسباب العنف في المجتمع عدم تحقيق العدالة الاجتماعية أو قد يكون نمطًا من أنماط الشخصية أو بسبب الزيادة السكانية والزحام في المجتمع وكثرة مشاهد العنف سواء كانت في نشرات الأخبار أو الدراما أو الأفلام.
وتؤكد أن التنشئة الاجتماعية تعتبر من أكثر العوامل المسببة للعنف، فنحن نعلم أبناءنا العنف دون أن ندري، فالبعض يحلو له أن ينادى أبناءه بألفاظ نابية، حيث يتعلم الطفل العنف اللفظى كما يتعلم أيضًا العنف البدنى من خلال ممارسة أساليب الضرب المختلفة.
وعن دور الإعلام، ذكرت «إنشاد» أن وسائل الإعلام ليست مسئولة عن الزيادة في معدل الجريمة كما يقال، ولكنها ليست قادرة على الإلهام والإقناع وإثارة الجماهير، مشددة على ضرورة تكثيف الحملات الإعلانية والمواد المقدمة في صورة دراما أو أفلام سينمائية لتوجيه المجتمع نحو دحر الجريمة بكل أشكالها، وليس العكس، لافتًة إلى أننا نشهد تقريبًا جريمة كل 5 ثوان.
أما المحامى حسنى السيد، عضو اللجنة السياسية بنقابة المحامين، فأكد أن ظاهرة العنف والانحراف السلوكى والخروج عن القانون والأعراف في المجتمع المصرى تعود إلى العديد من الظواهر السائدة في المجتمع مثل البطالة وانتشار العشوائيات وأطفال الشوارع والفقر، كما أن فئة الشباب هي أكثر فئات المجتمع ارتكابًا لجرائم العنف لما تتميز به هذه الفئة من قوة ورعونة.
وأوضح أن من أبرز الوقائع التي تتكرر يوميًا، القتل والسطو والسرقة والاغتصاب، مشيرًا إلى واقعة اغتصاب «طفلة البامبرز» في الدقهلية، موضحًا أن العقوبة في الجرائم الجنائية تختلف عن الجنح، لافتًا إلى أن عقوبة جريمة النشل أو السرقة تأتى بالحبس أغلبها من أقل من سنة إلى 5 سنوات، أما القتل فتصل العقوبة بالحبس إلى المؤبد حتى الإعدام، وكذا بالنسبة للمتهم بالاغتصاب والذي قد يجد مصيره بين حبل المشنقة في النهاية حتى يكون عبرة لمن يعتبر.
وأوضح أن جريمة تبادل الزوجات أو ما تسمى بـ«زنا بالتراضى» لا يوجد نص في القانون المصرى يعاقب عليها، وكذلك التحريض على الفسق والفجور، والدعوة لممارسة الدعارة، لافتًا إلى أن الاتهامات الموجهة لهم عقوبتها طبقًا للمادتين 269 و278 من شهر إلى سنة سجنًا.