رئيس التحرير
عصام كامل

النقاب.. وبذور الإرهاب!


على مدى خمسة أسابيع، كان الإرهاب هو الموضوع الرئيسي الذي أتحدث عنه، وكان عناوين المقالات "أنا مصري.. لا مسلم ولا مسيحي".. "إسلامنا فالصو.. والإسلام الحق غائب".. "تذكرة مترو الأنفاق.. وتهديدات الدواعش"..."الرسول وماريا القبطية يواجهان الدواعش والسلفيين".. "ترامب يلعب.. وقصة ماريا القبطية وصفية اليهودية"، وجاءت التفجيرات في كنائس طنطا لأول مرة، ويليها الإسكندرية للمرة الثانية، لتؤكد على عمق الخلل في أفكار هؤلاء المغيبين عن الحياة تمامًا، القضية أكبر بكثير من تجنيد عدد من الأفراد لعمل عمليات إرهابية، لأن الإرهاب ليس فعلًا ماديًا فقط، بل هو فكرة في الأساس، ومنها تنطلق الأعمال الإرهابية، فمثلًا مقتل أو حتى القبض على البعض ممن يعتنقون الفكر الإرهابي، لا يعني انحساره أو تم القضاء عليه، لأنه يسكن في أعماق فصيل ويحاول أن يكسب كل يوم أعضاء جدد، بل إن الفصيل يستغل هؤلاء لزيادة حجم الغضب من المجتمع ككل، وليس من الحكومة أو الشرطة أو القوات المسلحة أو حتى أهلنا المسيحيين، لأن قضية هؤلاء ليس استهداف أي فصيل من هؤلاء، بل الهدف الدولة المصرية وإخضاعها تمامًا، وهذا أمر ليس صعبًا فقط..


ولكن التاريخ يؤكد أنه لم يحدث أن جماعة إرهابية أو مسلحة استطاعت النيل من كيان دولة والاستيلاء على السلطة، ومن هنا لا بد أن ندرك أن المخططات الإرهابية برعاية صهيونية ترتدي أحيانًا القناع الأمريكي أو القطري أو التركي إلا أنه في جميع الأحوال يغلفها الثوب الإسلامي للأسف الشديد، وهؤلاء يحاولون ترويج شعارات وأفكار لا يمكن أن يقبلها العقل الذي ميزنا الله به على كافة المخلوقات..

وليس خافيًا على كل صاحب عقل أن تعمد استهداف الكنائس هو نفس الهدف الذي من خلاله يحاولون شق وحدة الشعب المصري، وجعله إلى فريقين ليسهل ضرب الدولة، وهو نفس الوسيلة التي حاول المستعمر استغلالها، ولكن هيهات دائمًا يكون الارتباط بين أفراد الشعب بعد هذه الأحداث أقوى.

استكمالًا للحوار عن الأفكار التي يروجها هؤلاء، سبق أن كتبت رفضي للنقاب وأنه ليس فرضًا ولا سنة، مع التسليم بحرية من يرتديه طالما أنني أعطيت الحرية لمن ترتدي ملبسًا لا يستر، بل يفضح كل مفاتن المرأة سواء بالعري المباشر أو بملابس تظهر أكثر مما تخفي، ولهذا الرأي حدث الأسبوع الماضي أن هاجت وماجت شاعرة ترتدي النقاب، واتهمتني بذلك أعصي الله ونصحتني بإخفاء معصيتي لله وعدم الجهر بها، والغريب أنها شاعرة ولها عدة دواوين، ومستواها لا بأس كشاعرة وتقترب من الستين من عمرها، وسبق أنني قلت لها، ملامح الوجه وتعبيراته مهمة للغاية أثناء إلقاء الشعر، ولكنها قالت إنها لا تخالف أمر الله!

وعندما ضربت لها مثلًا برأي الشيخ الشعراوي وأن زوج ابنته د.عصام القطقاط الطبيب الشاعر وحافظ القرآن وتلميذ الشيخ الشعراوي، وزوجته لم ترتدِ النقاب قط، ولو أن الأمر ملزم لكان الشيخ الشعراوي أول من ألزم به بناته، ولكنها سخرت وقالت: الشعراوي ليس حجة علينا!

هنا استحضرت بعض النماذج لها وللقارئ ثلاثة من علماء الدين جذورهم إخوانية الأول وحكايته مع زي المسلمة الشيخ الغزالي، جاءت سيدة سويدية لتشهر إسلامها في الأزهر الشريف، بعد ذلك ذهبت إلى الشيخ محمد الغزالي في بيته للحوار معه بناءً على توصية من أحد أصدقائها، فوجئ أهل البيت بملابس السيدة السويدية غير ملائمة، شعرها على كتفيها، وجزء من ذراعيها مكشوف، بالإضافة إلى ارتدائها فستانًا ليس محتشمًا، فكان من الشيخ الغزالي أن وافق على لقائها بعد وضع إيشارب على شعرها وكتفيها، وعندما عتب عليه البعض على هذا اللقاء، نهره وأكد أن إسلامها ليفوق من يرتدي الحجاب!

الشيخ محمد الغزالي إخواني الجذور وكان في يوم من الأيام عضوًا في مكتب الإرشاد قبل ثورة 1952، وحدث بعد ذلك تركهم إلى أن ظهرت الأعراض الإخوانية والتعصب مرة أخرى قبل رحيله، تعمدت إلى أن أشير إلى أصوله الإخوانية، ذلك المنبع الذي صدر للمجتمع كافة الأفكار الهدامة الإرهابية والمنحرفة التي لا تزال تضرب في أعماق المجتمعات الإسلامية.

النموذجان الآخران هما الشيخ أحمد حسن الباقوري، ود.عبد العزيز كامل، وكلاهما خريجا مدرسة الإخوان، وكلاهما تحمل مسئولية وزارة الأوقاف في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، وهؤلاء الثلاثة لا يرون أن النقاب فرض على المرأة المسلمة.

صديقي القارئ أربعة من كبار رجال الدين، الشعراوي، الغزالي، الباقوري، عبد العزيز كامل، ومع هذا رجعت إلى عدد من أمهات التفاسير، ابن كثير، القرطبي، الطبري، وجميعهم أشار إلى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَاب رِقَاق، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهَا: ( يَا أَسْمَاء إِنَّ الْمَرْأَة إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيض لَمْ يَصْلُح أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا) وَأَشَارَ إِلَى وَجْهه وَكَفَّيْهِ..!

كما فسر الفقيه سعيد بن جبير- والأغلبية من جمهور العلماء- ما هو المقصود بخمرهن والجيوب كما جاءت في سورة النور: قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر" وَلْيَضْرِبْنَ" وَلْيَشْدُدْنَ" بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ " يَعْنِي عَلَى النَّحْر وَالصَّدْر فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْء! أي الرقبة والصدر، وليس الوجه!.. وهذا ما ذهب إليه علماء اللغة في عالمنا المعاصر، وعلى الرغم من هذا هناك من يترك كل هذا ويذهب إلى آراء شاذة للوهابية السعودية وآل الباز وغيره.
أخيرًا.. إياكم والاستخفاف بأمهات هذه عقليتها، إنها منبت للتعصب والإرهاب!
الجريدة الرسمية