رئيس التحرير
عصام كامل

كيف نهدم الوطن ؟!


بناء الأوطان ليس سهلا يحتاج جهدا وعملا ومالا علما وأجيالا، بينما هدم الوطن أسهل ما يكون يكفى أن تضع على كل كرسى للمسئولية من ليس أهلا لها.


هدم الأوطان سهل ويبدأ بهدم قلب الوطن النابض وهو الشباب، بمسح عقولهم وتربيتهم على عدم التفكير وعدم الاختيار.. تربيتهم على التلقين.. التلخيص.. السعي للحصول على أي شيء بأقل جهد وأقصر الطرق بغض النظر عن القانون أو المثل أو الأخلاق.

يبدأ هدم الوطن بإهمال التعليم ناسين أن التعليم الهدف منه تهذيب الروح وتعليم التعاون والانضباط وممارسة الأخلاق في صورة مجتمعية، يبدأ هدم الوطن بالعمل على تعود الطفل على التلقين وعلى استقبال المعلومة – أي معلومة – وكأنها حقيقة بينما الهدف من التعليم الحقيقي هو أن يتعلم الطفل– كل طفل– أن أي معلومة لا تخرج عن كونها وجهة نظر تستوجب إعمال العقل والقياس.

نهدم الوطن بأن نختار مجموعة من الشباب لنؤكد لديهم ما سبق ونتأكد من خضوعهم التام وتشربهم لأفكار معينة ورغبتهم في حملها في مقابل تسهيل الحصول على بعض المناصب ثم ندعي أن هذا برنامج لبناء الوطن، يهدم الوطن بأن يتم نفاق الشباب الذي حرم من التعليم الحقيقة وفى أحيان كثيرة من التربية الحقيقية ولا يتم مواجهته بالحقيقة ومحاولة إدراك ما فاته بالعمل والعمل.

تهدم الأوطان عندما تجد في الوزارات قد عهد بمعظم المراكز القيادية لمن هم لم يسبق لهم العمل بأي مجال له علاقة بعمل تلك الوزارة مسئولين قد تقاعدوا من العمل في مؤسسة أخرى، لكن اختيارهم لأنهم أهل ثقة ويمثلون أذرعا لتلك المؤسسة لضمان السيطرة والتحكم على حساب الكفاءة والمصلحة العامة.

تهدم الأوطان بعدم الموضوعية في معالجة أهم المشكلات التي تواجه الوطن وبدلا من ذلك يتم تسخير أي مشكلة لجني أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية بتشويه أي معارض قد يكون تهديدا محتملا لاستمرار البقاء على كرسى السلطة.

ضرب الإرهاب مصر مرات عديدة ولم تتغير طريقة المواجهة، فالفكر من الأمنيين يأتى دائما أمنيا، والسذاجة أن نتوقع أن يأتي تكرار العمل بنتائج مختلفة، استغلت الحوادث الإرهابية في خلق مزيد من التمييز فالشهداء يصنفون تبعا لعقيدتهم والمواطنون لم يعودوا ينتمون إلى دولة واحدة، ولكن إلى طوائف تقدم إليها التعازى والمجاملات للدعاية السياسية، بدلا من أن يكون الجرح هو جرح الوطن والألم هو ألم كل مواطن والعزاء هو عزاء الدولة المصرية في زهرة شبابها لا فرق بين من مات في سيناء أو في طنطا أو الإسكندرية.

شهدت الأيام الماضية أيضا محاولة لاستغلال الإرهاب في النيل من الأزهر، وتم تسخير جحافل الإعلام لتشويهه ومحاولة إلقاء المسئولية عليه، عقابا لشيوخه على رفضهم تدخل السياسيين بدون علم في قواعد الشرع والدين.

المشكلة ليست في الأزهر لأننا لم نسمع يوما أن واحد من الإرهابيين كان خريجا من إحدى مدارس أو معاهد أو جامعة الأزهر( رغم كل مساوئ الأزهر).

المشكلة ليست كما يدعى البعض في كتب التراث لأن الكتب هي مجرد أفكار للنقاش، لكن المشكلة الحقيقية أن النقاش ممنوع في هذا العصر، ومن المعلوم أن معظم الإرهابيين لم يقرءوا يوما كتب تراث ولا غيرها، معظم الإرهابيين المنفذين هم تابعون لأصحاب فكر متطرف لم يتم نقاشه والرد عليه وتوضيح تطرفه لهؤلاء.

النقطة الثانية أن هذه الكتب موجودة منذ آلاف السنين وفى كل الدول فلماذا الآن وفى بلادنا يحدث هذا؟ .

واستمر الحديث الإعلامي عن الوهم المسمى بالخطاب الدينى رغم أن المشكلة ليست في الخطاب الديني حتى المتشدد منه فهو موجود في كل الأديان ومنذ فجر التاريخ لكن المشكلة في منع الحوار حول الأفكار المتطرفة وإظهار تطرفها بالدليل العلمى..

المشكلة الحقيقية في انتشار الجهل رغم كثرة الشهادات..المشكلة الحقيقية في التعليم الفاسد الذي يفشل في تعليم الطالب أبسط شيء وهو التمييز بين الخير والشر وبين الطيب والخبيث وعدم التمييز بين البشر مهما كان جنسهم أو لونهم أو عقيدتهم.

المشكلة أيضا في الفقر والبطالة التي تترك الجهلاء فريسة أسهل لمن يبشرهم ولو كذبا بحياة أفضل سواء في الدنيا أو الآخرة.

المشكلة في السياسيين والمسئولين الذين يستخدمون الدين كأحد أدوات الحكم ويسخرون المؤسسات الدينية لخدمة أغراضهم وشعبيتهم والاستمرار أبد الدهر فوق كراسيهم.

هذه هي وجهة نظرى الشخصية في أسباب ما تتعرض له الدولة المصرية ولماذا نحس أننا ندور في حلقة مفرغة ندفع ثمنها أرواحا بريئة من زهرة شبابنا وأطفالنا وأمهاتنا وشيوخنا..

وفى الختام أدعو الله بالهداية لكل من بيده أن يصل الطريق حتى لا نستمر في الهدم ونبدأ بناءً حقيقيا لمصرنا العزيزة.

الجريدة الرسمية