معضلة بقاء الدولة مع خط إنتاج الانتحاريين المتجدد!
(إذا امتلك أي تنظيم إرهابي مائة انتحاري مسلوب العقل فهو قادر على إسقاط حكومات العالم بأكملها) هذه خلاصة القول.
المناخ المفرز لشخصية الانتحاري من فقر وجهل، إلى جانب بث العقائد المتطرفة تتفاعل مع الأمراض المجتمعية كالحقد وروح الكراهية نحو المجتمع، التي قد تنمو مع إحساس الظلم، لتحقق لأعداء الحضارة تأسيس خطوط إنتاج الانتحاريين بأقل تكلفة في العالم أجمع.. فتصبح الحلول الأمنية وحدها مستحيلة أمام طوفان الإرهاب، لأنها تحارب عقائد لا بشر.. لذا نحن نحتاج ثورة ثقافية لا دينية.
نفتقد الصواب عندما نبحث عن الدور الأمني فقط، ونتناسي الدور الأهم للدولة من خلال التعليم والثقافة التي تحولت لمبان بيروقراطية تاريخية في وطن بني حضارته على التفرد الثقافي، إلى جانب الأسلوب العقيم الرجعي الذي تنتهجه وزارة الشباب، ولا أتوقع من الأزهر كما يحلم البعض تطوير الثقافة، فهذا ليس دوره، فضلا عن أن طبيعته صلبة كأي مؤسسة دينية، ولأن مزج الدين بالسياسة لا ينتج الا ضررا للطرفين، لذا فمدنية الدولة الكاملة هي الحل.. أما ثقافة المجتمع فهي نتاج الحوار المجتمعي في المقاهي والنوادي والفضائيات، ولا يصيغها رجال الدين وإنما الشباب والمثقفين والإعلاميون كما صنعت أوروبا انطلاقتها.. لنبحث عن أصحاب المبادرة الذين صنعوا يوما الهوية المصرية.
وبرلمان (شبه برلمان) ليؤكد مقولة (شبه دولة) ترتسم فيه ملامح المدنية شكلا لا موضوعا، لأنه برلمان لا يحمل جين ثورة ٣٠ يونيو، وإنما هو برلمان المال السياسي، ورجال اعتادوا التجارة السياسية، وليس لديهم رؤي للمستقبل وليس لديهم الدافع لاقتحام عرين التطرف، أو لثقافة التغيير لمنظومة الدولة، لتعود البيئة السياسية في مصر إلى ما قبل ٢٠١١ رغم كم المتغيرات في ثقافة المجتمع.. في هذا البرلمان المتشرذم تزيد نسبة الأقباط عن نسبة السلفيين على عكس الواقع، من حيث التأثير أيضا نري المرأة بكثافة معبرة عن المدنية، ولكن بلا تأثير.. ولا يوجد آلية حقيقية من البرلمان لتغيير فكر الشعب نحو العاطفة الدينية الذي قبل يوما الزيت والسكر كرشاوي انتخابية وانساق نحو الهاوية بالوطن منذ أعوام بانتخابه للتيار الديني.
ووزارة بها وزراء موظفون لا مقاتلون في ظل وطن يحارب ويستنزف... ومناخ إداري طارد للعلماء بعد مؤتمر العلماء الذي رعته مؤسسة الرئاسة.. يوجد في المهجر ٨٦٠٠٠ عالم مصري منهم ٤٢ يشغلون منصب رئيس جامعة، في أهم جامعات عالمية، بالإضافة الي850 ألف خبير في العلوم التطبيقية، لتحتل مصر المركز الأول عالميا في هذا الصدد، رغم ذلك تحتل مصر المرتبة ١٣٩ في جودة التعليم بين ١٤٠ دولة!.. إذا تم استقطاب ١٪ من علمائنا في مناخ جاذب فستتغير مصر جذريا.
نخطئ عندما نحمل الإخوان فقط مغبة الفشل الذي يلاحقنا أو نعتقد أننا نحارب داعش فقط رغم أن التيارات التي تعتقد أن تطبيق الشريعة هي الأزمة ذاتها وتتخذ من الديمقراطية مجرد وسيلة، هي كلها تيارات لا تؤمن بالدولة، ولا تختلف في تطرفها نحو هدم الدولة... هكذا كتب ضابط القوات المسلحة عبد الفتاح السيسي في أطروحة الدكتوراه في كلية الحرب بالولايات المتحدة ٢٠٠٦ في رؤية متكاملة عن الديمقراطية في الشرق الأوسط واستشهد بانقلاب حركة حماس على الديمقراطية وقتها.
خرجنا من ٣٠ يونيو.. ثورة ضد الحكم الديني، آملين في تأسيس فكر المواطنة بين كل الأعراق والأديان والثقافات لنفاجئ بأن الوضع يعود لنفس أدوات ومحددات التعامل مع التطرف.. منتظرين نتائج مختلفة!
نسينا أن التيارات الدينية ذاقت من كأس السلطة، ولن تنسي ولن تهاب دولة، وستحارب إلى ما لا نهاية لعودة حلمها خاصة في ظل شعورها بأن الدولة مازالت في مرحلة انتقالية، بل إن أجهزة الدولة تفتقر اليوم إلى أدوات السلطة المطلقة التي يصعب أن تعود مع شعب ذاق الحرية من جانب، والفوضي من جانب آخر لسنوات، مع الانفتاح الثقافي (الإنترنت والإعلام) في ظل متغيرات العولمة لفئات من الشباب.
هتفنا تحيا مصر ، ولم نطرح خطة لثورة الإنتاج والعمل، ولم تخرج خطة لمواجهة التطرف العقائدي، رغم احتياجنا لها، وهناك تجارب دول نجحت في اقتلاع عقائد مثل تجربة نزع النازية في ألمانيا بتعليم الشعب جبرا، ومتابعة المشكوك في أفكارهم، وحرمان البعض من حقوقه السياسية.
تجارب أخرى مثل تجربة جنوب أفريقيا في القضاء على التمييز العرقي.. تجربة أندونيسيا نحو تأسيس دولة مدنية واقتصاد متطور بعيدا عن التطرف، رغم أن أغلبية الشعب من المسلمين، وهناك تيارات يمينية تم حصارها بالتنمية الشاملة الثقافية والاقتصادية.
القوة الناعمة كما عرفها "جوزيف س ناي" مخطط الإستراتيجيات نحو بناء الإمبراطورية الأمريكية أهم عناصرها الثقافة وتعد القوة الناعمة أقل أساليب الغزو كلفة.. وأقلها هو الثقافة.. وكانت مصر حتى عقود سابقة تؤسس توسعها وقوتها الناعمة على الثقافة خارج حدودها في الشرق الأوسط وأفريقيا.. لتدور الدوائر فتصبح فريسة لثقافات الوهابية والجاهلية... رغم أننا مازلنا نمتلك الأدوات والتكنيك والقدرات الإبداعية ولكنها مشتتة في ارجاء الدولة.
وفِي عام العنف٢٠١٧ كما وصفناه في مقالات سابقة فإن العنف يولد الفقر.. والفقر يولد المزيد من العنف.. وليستمر استنزاف الاقتصاد وتدور المنظومة حتى الهاوية فيكون بقاء الدولة على المحك أمام تحديات تكاد تفتك بالدولة لذا يلزم التحرك خارج الصندوق نحو خطة إنقاذ من السقوط في براثن القوى المتطرفة مرة أخرى بالاعتماد على ثقافة ووعي النخبة الوطنية الواعية ضد اعداء الوطن.
الحل يكمن في الكتلة الحرجة... من تحركوا لإنقاذ مصر في ٣٠ يونيو لإعادة الروح المعنوية الوطنية التي تحالفت حول الوطن.. فالمشهد أشد تعقيدا مما سبق.