في «أحد السعف».. آلام الحزن تقتل العيد «تقرير مصور»
كان بداية لأسبوع الآلام، حين استقر بالمسيح المقام في مدينة القدس بعد رحلات شاقة في مشارق الأرض ومغاربها، ليستقبله سكان "مدينة السلام"، بالسعف وأغصان وأوراق الزيتون، وبالرغم من كونه عيدًا مهما اختلفت مسمياته، فهم لم ينتبهوا لهذا الاسم من قبل، إلا أنه أراد أن يثبت للجميع أنه بالفعل أسبوع يحمل في أول أيامه جروحًا وآلامًا تحتاج ربما لسنوات وأعمار كي تشفى.
كما اعتادوا في كل عيد، وفي هذا العيد تحديدًا، استيقظوا مبكرًا، لبسوا ثيابًا جديدة، الفرحة تملأ الوجوه والمنازل، وحتى الطرقات أصوات البهجة تتعالى، الأطفال بالحلوى والسعف الذي يزين رؤوسهم، وفي أيديهم قطع الفطائر والحلوى، تستمر الاحتفالات، تظل صرخات الأطفال المليئة بلهجة هي الأصوات الأعلى، تتناغم مع وقع الترانيم.
تمر الساعات ومعها تنقضي لحظات البهجة، ويشرف القداس على الانتهاء، تقطع أصوات الأطفال ونغمات الترانيم، صرخة مدوية، لم يكن مصدرها هذه المرة "العيد"، والصلاة!.
ماهذا الضجيج، أليس اليوم هو يوم العيد فحسب، لماذا دائمًا يشوب مذاق العيد هذا المشهد المتكرر، بتفاصيله، هؤلاء الذاهبون والقادمون، هذه تبحث عن ولدها، وتلك تبحث عن أمها، كانوا بجوار بعضهما البعض، يصلون ويستمعون لأنغام الترانيم، وبين لحظة وتاليها، تفرقت الأجساد عن بعضها، وحتى الجسد الواحد تمزق وتفرقت أجزائه، حتى اختلطت الوجوه ببعضها، والدماء التي جرت، امتزجت في لون واحد. كم هو صعب عليهم أن يجدوا من فقدوا، كما هو صعب علينا أن نصدق ما نرى.
ليتهم يعلمون أن مثل هذه الظروف لا تزيدنا إلا عزيمةً، سنظل نصرخ ونحتج حتى تصل صراخاتنا للكون كله، لا دين يشفع لهذا، ولا إنسانية لمن يتحرك عن هذا الجمع ويرحل، لا يمعنا كبر السن من الصراخ والتنديد، لعل وجودنا هنا يخفف من وطأة الُمُصاب ولو قليلًا.
الحزن يسود، يخيم على كل شيء حتى المباني والشوارع تحزن، فكيف تطالبوننا أن نصمت ونذهب إلى بيوتنا في هدوء.
منذ قليل كان هذا المكان يعج بالمرح والسرور، فكيف لهذه القوى الخفية التي تسمى "الحزن" أن تتسلل بين هذه البهجة لتنتزعها وتلقيها بعيدًا لتتناثر مع الأشلاء والدماء، نفس الوجوه التي كانت تحتفل منذ قليل، هاهي تترقب لحظات خروج الجثث، وتمحي بنفس اليد التي أكلت الفطائر الدموع.
نشعر وكأن صاعقة سقطت فوق رؤوسنا، لا تحدثونا الآن عن تعازي ومواساة، لا حاجة لهم اليوم، الكلمات لن تطفئ نيران الصدور المعبأة بدخان القنابل، لا تقولوا لنا لا بأس سيمر الأمر كغيره، وهم في الجنة الآن، وينعمون أكثر منا، كل هذه الكلمات "المعلبة" سأمناها وحسبها أن تخفف لكنها لن تزيل ما زُرع في النفس.
حدوثنا عن عيد يمر بسلام نذهب في الصباح لنصلي، فنعود كما كنا، لماذا أذهب مع أخي وأعود بدونه!، لماذا ملابس العيد والسعف، كُتب عليهم أن يتلونوا بالأحمر!
أصبحنا نخشى العيد كخشية الموت، بات يأتي محملًا برائحة الموت والفراق فقط.
آن لهذه الدماء التي جرت أن تعود لأجسادها التي مازالت تتنفس الحياة، ستختلف قليلًا، ربما دم شخص آخر، طفل، عجوز، سيدة، لكنه يحمل نفس الرائحة، تحمل ذات الاسم "دماء مصرية".