يلعن أبوك يابخيت
عندما قامت ثورة ١٩١٩ فى وجه الاحتلال الإنجليزى، جمعت فى مفهوم الوطنية المصرية كل أطياف الشعب ضده، فظهر المعدن النفيس للمصريين، وتحفزت كل عوامل التفوق الحضارى المصرى تحت مظلة الوطنية الجامعة.
فلم يجد المحتل الإنجليزى سبيلاً لإيقاف ذلك الزخم المجتمعى المتنامى إلا بضرب مفهوم الوطنية والمواطنة، التى نجحت فى تجييش كل ملكات الشعب، وشحذت إرادته ضده، وهمت بتحقيق الحلم الحضارى المصرى الرائد، فدَّعَمَ الفكر الدينى المتشدد الذى يعادى الفكرة الوطنية، ويكفر كل من يدعو له، ويفهم الدين كداعٍ للموت لا للحياة، وإلى الفرقة لا الاتحاد، وإلى البغض والكره لا للحب والمودة .
فجند الكثير من رجال الدين وقتئذٍ لمهاجمة الرموز الوطنية، والطعن فى دينهم وتكفيرهم، فكانت مواجهة بين التشدد الدينى المغلوط وبين المدنية الوطنية الوسطية المخلصة، والداعمة لنمو المجتمع وتقدمه، فرأينا أمثلة كثيرة للمتشددين كالشيخ محمد بخيت الذى كان يمالىء الإنجليز ويهاجم سعد زغلول ورموز الحركة الوطنية بضراوة، والذى فضحه بيرم التونسى بسبب تردده على دار المعتمد البريطانى، فما كان من الشيخ بخيت إلا أن رمى بيرم بالكفر والإلحاد كعادة المتشددين، فكتب بيرم قصيدة يؤدبه فيها ويرد عليه، يقول مطلعها:
أول مانبدأ نصلى على النبى نبى عربى يلعن أبوك يا بخيت
كان بيرم يلعن كل المتشددين فى كل العصور فى لعْنِهِ للشيخ بخيت، فلكل وقت بخيت مثله، وغيره الكثير، فمنهجهم واحد، ودورهم متجدد ومنحاز دائماً للمحتلين، بينما هو يستخدم جهلهم وسطحيتهم لأغراضه فى الهيمنة وإعاقة تقدم المجتمعات .
فلعنة بيرم متجددة على كل بخيت وكل من تشدد مثله، وكل من يهاجم الوطنية المصرية الصميمة، لقد واجه بيرم بخيتاً واحداً، واليوم نرى ألف ألف بخيت، فى مصر وسوريا وتونس وكل بلاد المسلمين، لقد انتشروا كأسراب الجراد تمحق حقول الخير، وكالتتار يدمرون ماعمر ويحرقون ماكُتِب.
وما زالت عملية إزجاء الخصومة بين الدين والوطنية قائمةً على يد أمثال الشيخ وإخوانه، فهى الخطة الرئيسية لضرب الثورة المصرية ورموزها الوطنية فى مقتل منذ ثورة ١٩ وحتى الآن، رحم الله شاعرنا بيرم التونسى فإنا نفتقده، ولو كان بيننا الآن فمن ياترى كان سيضع اسمه مكان اسم الشيخ بخيت؟؟ .. إنهم كثيرون!!