استراتيجية منافسة الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي (1)
إن محركات العولمة الاقتصادية أصبحت واقعا متحكما في الاقتصاد الوطني، حيث إن موارد مصر من العملة الصعبة أصبحت معروفة ومتحكمة في معدلات التنمية الاقتصادية ولا يمكن تجاهلها، ولعل أهمها السياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي وتحويلات المصريين بالخارج.
إن قدر مصر أن تكون دولة قائدة رائدة ولا مجال لانعزالها مثل كوريا الجنوبية أو كوبا عن التفاعل في الاقتصاد العالمي بمقوماتها الفريدة كدولة تاريخية تقع في قلب العالم وتحديدا في جنوب أوروبا وعلى حدود إسرائيل وقلب العالم العربي وبوابة أفريقيا، لذا فهي لا يمكن أن تنسلخ من احتياجها للاندماج في الاقتصاد العالمي.
وقد طرح ريتشارد فيتور، أستاذ السياسات الاقتصادية الدولية في كلية هارفارد، رؤيته العلمية في كتاب "كيف تتنافس الدول"، وقد تحدث عن استراتيجيات الدول في اقتناص أكبر حصة من الاقتصاد العالمي والتكنولوجيا وتأهيل العمالة الماهرة أو استقطابها وجلب الاستثمارات عابرة القارات نحو رفع مستوى المعيشة كأحد مؤشرات النمو الاقتصادي، لذا فإن التنافسية وتأسيس قواعدها داخليا أو خارجيا ومن خلال الدولة أو القطاع الخاص أصبح أهم التحديات وهذه البيئة التنافسية توفر أهم عناصر جذب للاستثمار الأجنبي، لذا تهتم الحكومات بسهولة الإجراءات والتراخيص وتقليل معدل التضخم وتخفيض نسب الفائدة وتوفير العمالة المدربة ويبلغ الاقتصاد العالمي ٥٩ تريليون دولار، حسب تقارير البنك الدولي في ٢٠٠٨ وتتنافس الدول النامية لزيادة حصتها من هذه الاستثمارات.
رغم ما تمر به مصر من تحديات فقد توقع برأيي ووتر هاوس كويرز أن حجم الناتج المحلي المصري سيرتفع من ١.١٠٥ تريليون دولار اليوم إلى ٤.٣٣٣ تريليون دولار في سنة ٢٠٥٠ لتحتل مصر المرتبة ١٥ في الاقتصاد العالمي لتصبح من أقوى عشرين اقتصادًا بناءً على المقومات غير المفعلة.
أما عن العلاقة بين رجال الأعمال والحكومات الذين يرون في الدولة جابي الضرائب رغم أن الدولة تتولى ملفات التعليم والصحة والدفاع، وهنا يجب أن نشير إلى انخفاض الوعي المجتمعي نحو تحديات الدولة ومسئوليتها التي لا يدركها القطاع الخاص، فالجميع يتحدث عن الإيدز والنمو الاقتصادي في الصين وقوة الصناعة الألمانية، ولكن لا يدركون الدور الخفي للحكومات في صناعة ما سبق، فتستفيد الشركات من مناخ النمو الاقتصادي وتستفيد من القوانين الليبرالية في الأسواق، وهو ما يمثل التحدي أمام الحكومات.
وإذا أردنا تحقيق نمو اقتصادي فيلزم وضوح رؤية استراتيجية وإيجاد هيكل مؤسسي يضطلع بتنفيذ هذه الرؤى بمرونة تتناسب مع طبيعة الدولة واحتياجاتها (السوق المحلية) وبعد الموروث الثقافي وتوزيع الدخول وأثرها الاجتماعي.
تتراوح استراتيجيات الدول بين أهداف محددة أو أهداف عامة مثل النمو الاقتصادي أو الاستقرار السياسي، وقد جاءت أهداف الثورة الاقتصادية للرئيس ريجان في الولايات المتحدة ١٩٨١ كالآتي:
خفض معدلات التضخم
إعادة تحفيز الاقتصاد نحو النمو
تقليص دور الحكومة
تعزيز الأمن القومي
ولعل السياسات التي تمس الموازنة العامة للدولة مثل تقليص الإنفاق وتطوير الأنظمة الضريبية.
أما عن السياسة المالية فيتجلى دور البنك المركزي في هذه الاستراتيجيات، فهو تمويل النمو الاقتصادي المستهدف دون حدوث تضخم وتأمين احتياطي نقدي كاف.
وعن تنظيم التجارة فإن التعريفات الجمركية هي إحدى أهم الأدوات لتقنين حركة الواردات، ولكن الاتفاقيات الدولية فتحت المجال لخفض هذه الجمارك لنسب وصلت في المتوسط إلى ٢٠٪، بعد أن كانت بعض الدول تفرض نسبًا تصل إلى ٢٠٠٪.
وعن آليات جذب الاستثمار الأجنبي فقد خففت الدول قيود تملك الأجانب، وقد حققت الصين وسنغافورة وكندا نموا ملموسًا بناءً على ذلك إلى جانب الإعفاءات الضريبية التي تعد الجاذب الأهم للاستثمار الأجنبي.
كما لجأت بعض الدول لتلافي إجراءات الخصخصة التي بدأت منذ السبعينيات من القرن الماضي، وذلك ببيع الأسهم للمواطنين أو بيع نسب محددة من الملكية لا يزيد على ٥٠٪.
ولا يمكن إغفال الضوابط الاقتصادية لتصحيح أوضاع مضطربة مثل الاحتكار وغيره.
وبالتأكيد لا معني للاستراتيجيات دون مؤسسات تنفذها وتتحمل مسئولية النتائج وقد يتحكم في هذه الاستراتيجيات الهيكل الاقتصادي للدولة (مثل نمط الاستهلاك الذي يصل في أمريكا إلى ٧٠٪ بينما في سنغافورة ٤٢٪) والإنفاق الحكومي (يشكل في أوروبا من ٤٠ إلى ٥٠٪ من الناتج المحلي) ويأتي ثانيًا الهيكل المؤسسي للدولة مثل البنوك والمحاكم والشرطة فعندما انهارت هذه المؤسسات في روسيا عجزت الدولة عن تطبيق الخطط ولا نغفل القوانين المنظمة والفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
أما النقطة الثالثة هي استثمار الموارد الطبيعية والبشرية من خلال خطط لا تؤدي لفناء الموارد مثل أساليب زراعة الغابات التي تنتج الأخشاب وقوانين منع صيد الأسماك في موسم التزاوج ولا نغفل انخفاض معدل النمو في السعودية رغم استخراجها البترول لعدم وجود خطط مستدامة للتنمية ولتكن تجربة دول مثل "سنغافورة والصين واليابان" فقيرة الموارد الطبيعية ولكنها تحقق معدلات نمو ملموسة.. إلى تطوير الموارد البشرية من خلال جودة التعليم ولعل التجربة الهندية هي خير مثال لذلك لدولة فقيرة الموارد... ولا نغفل دور الاستثمار الأجنبي في تطوير العمالة.
ولا يجب أن نغفل دور الجامعات ومراكز الأبحاث خارج إطار التعليم وإنما التطوير والتكنولوجيا.
أيضًا الاقتراض من البنوك بفوائد منخفضة له أثر مهم، ولعل التمويل العقاري للوحدات له أثر مهم على الدفع بالتنمية العمرانية إلى جانب أثره الاجتماعي مع إدراك دور البنوك في الادخار، ومن ثم تمول البنوك المشروعات ذات الأولوية للنمو الاقتصادي.
إلى جانب تأهيل الشركات والأفراد للاندماج في البورصة من خلال تطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة وتحفيز الشركات على طرح أسهمها، مما يشكل أحد أهم روافد الاستثمار المحلي والأجنبي.
الاستثمار الأجنبي وتوفير المناخ الجاذب والحوافز ولعل تجربة الصين في جذب ٦٠ بليون دولار في عام ٢٠٠٥، حقق ذلك تمويل المؤسسات الحكومية المتعثرة مع الحفاظ على معدل استثمار ٣٩٪، إلى جانب فائض في الموازنة.
أخيرًا يأتي التمويل عبر الاقتراض الخارجي إحدى أدوات التنمية ولكن يظهر شبح عدم القدرة على السداد مثل أزمة المكسيك ١٩٩٤ التي لقبت بأزمة التكيلا وإفلاس روسيا ١٩٩٩ ثم إفلاس الأرجنتين ٢٠٠١ لذا عزفت الدول عن الاعتماد عليه ليكون البديل هو التمويل الداخلي والمضاربة في البورصات الأجنبية كبديل.
وللحديث بقية في مسئوليات الدولة نحو استراتيجيات النمو..