رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى ميلاده.. غسان كنفاني حالة عشق لا تموت «تقرير»

غسان كنفاني
غسان كنفاني

«إنه نوع من الرجال ينبت فجأة أمامك، فإذ بك غير قادر على نسيانه»، هذه العبارة التي وصف بها بطل روايته «العاشق»، ولم يكن يعلم أنه يصف ذاته، يلخص تفاصيله في بضع كلمات، كان غسان كنفاني عاشق فلسطين، الذي سار بنا على دروب العشق المختلفة، والعاشق الحق من يعلّم تلاميذه، كيف للصبر أن يجمع الشتات، حتى وإن طال أجله!


غسان كنفاني، الطفل الذي لا يكبر، هذا الذي تجول بكعكة على أرصفة فلسطين المحتلة مساءً، وفي الصباح يقبع وطفولته المشوبة بأصوات الطلقات، وصدى المدافع، في أحد فصول الأونروا «مدارس اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في فلسطين».

وجوه كنفانية مرسومة على المقاعد، تتراص بجوار بعضها تتلقى الدرس الأخير.. «كيف تموت واقفًا» لا تخضع ولا تستسلم.

غسان الكهل، حمل متاعه وما تبقى من ذكريات عالقة بمفتاح الدار العملاق، وعناء برتقالة تسقط ذات يوم من شجرتها ذابلة؛ لأنها لم تعهد الأيدي التي سترويها، على موعد مع العودة، هذا الوجه المليء بالتجاعيد، الذي يستقل سيارته التي ستنقله لوطن جديد، وفي عينيه تنعكس صورة مُصغرة لأرض البرتقال الحزين على فراق ساقيه.

غسان الشاب، من حمل السلاح والقضية فوق عنقه، يبحث عن الحرية، تلك المنحة التي لا مقابل لها، هي في ذاتها ولذاتها، فتتعلم معه أن شمس الحرية لم تجدها مادمت لا تواجهه، ولا تفتح نوافذك لها، وتقول هذا أنا والحقيقة في المواجهة.

المرأة عند غسان، هي "أم سعد" تلك التي تلد؛ لتأخذ فلسطين، في خشونة يديها وعباءتها المطرزة تختبئ الأحلام، وألوان الغد الوردية، وإن كان يغطيها بعض طين المخيمات. هي "السيدة زينب" القابضة على أرضها كالقابض على الجمر، من علمتنا أن للعار أثر لا يموت، يتراءى أمام حامله كلما نظر إلى مرآته، حتى إنه في لحظات يتمنى الموت ولا يأتيه.

طفلة غسان، ليلى ذات القدم المبتورة، تجمد في عقلها مشهد القنبلة، وهي تأخذ بساقها وطفولتها وتلقيهما بعيدًا، لكنها تحلم بفستان أحمر وبنطال للقدم التي تبقت.

في كل شخصية تحمل أبعادًا ومتناقضات، تجد غسان كنفاني، يطل برأسه الصغير، كلوحة فنية متعددة الألوان، يتولد منها فرد مستحيل أن تنساه، وإن خانتك الذاكرة طوال حياتك.

إلى الثائر الذي لم يمت، إلى الفكرة التي مازالت تنبت في العقل والروح، حتى ظللت أفرعها أجيال وراء أخرى، إلى من تناثرت أشلاؤه في أرجاء الكون، ثم تخلدت ساكنة في مستودعها، وبقيت ساعة يده تدق الثانية تلو الثانية، نقول لك في ذكرى ميلادك «تعبنا من الوقوف بدونك»، لكن عزاءنا الوحيد أننا نحسك مثلما نحس «فلسطين»، أيها العاشق الذي اقترنت فلسطين باسمك كتوأم ملتصق، أو أم بوليدها، باقِ أنت مادامت باقية.. سلام عليك.
الجريدة الرسمية