الحب من غير أمل
تجمع عشرات الآلاف من الأطفال في فرنسا وألمانيا، وقرروا الانطلاق في حملات صليبية للسيطرة على مدينة القدس!
رغم عبثية الفكرة إلا إنها لاقت رواجًا في بداية القرن الثالث عشر الميلادي، نتيجة شعور مواطني أوروبا باليأس بعد فشل الحملات الصليبية المتعاقبة.
تختلف الروايات حول حملة الأطفال ومصيرها، فيذكر البعض أنهم تجمعوا أمام البحر انتظارًا لانشقاقه ليمروا من خلاله مثلما حدث مع النبي موسى.. وعندما طال انتظارهم دون جدوى استقلوا السفن للتوجه للشرق وبعدها أصبح مصيرهم مجهولًا، فقيل إنهم غرقوا أو باعهم أصحاب السفن كرقيق لسكان مدن البحر المتوسط ومنها الإسكندرية.
ولأنني سكندري فقد خشيت أن أكون من سلالة الأطفال الذين استقر بهم المقام في المدينة لذا تحسبًا وضعت أمامي خلاصة تجربتهم التي أكدت أن فقدان الأمل يشجع على انتشار الأفكار الغريبة والفوضوية.
حركات الفوضى الشعبية تتكرر في لحظات الانكسار، فبعد أقل من خمسين عامًا على اختفاء الأطفال انهزمت حملة صليبية أخرى بقيادة لويس التاسع وانتشرت أنباء فشلها، وأسر الملك في المنصورة ليصاب مواطنو باريس بالذعر واليأس وهو ما جعلهم يتقبلون شائعة أطلقها أحدهم بأن السيدة العذراء ظهرت له وطالبته بقيادة حملة لتحرير الملك الأسير فانضم له الآلاف وقامت فوضى دمرت المدينة..
نيران الفوضى يُشعلها ضياع الأمل لذا علينا التأكد دائمًا من إغلاق صندوق "باندورا"، حيث تقول الأسطورة اليونانية إن كل الشرور قد انطلقت من هذا الصندوق إلا فقدان الأمل، حيث بقى "الأمل" موجودًا في قاع الصندوق وبه استطاع البشر تحمل مصاعب الحياة..
الأمل في الإصلاح هو الذي يجعلنا نتحمل صعوبة الظروف الاقتصادية التي أجبرتنا على التوقف عن شراء الكثير من السلع والاكتفاء بمشاهدتها والغناء لها مع عبدالوهاب (إمتى الزمان يسمح يا جميل)، وإذا ظن البعض أن هناك فرصة للاستمرار في الغناء مع فريد الأطرش (الحب من غير أمل أسمى معاني الغرام)، فعليهم التذكر بأن كثرة الضغوط ستجعلنا نعاود الغناء مع عبدالوهاب (أخي جاوز الظالمون المدى)، وعندها سينفتح صندوق "باندورا" لنفقد الأمل وتشتعل الفوضى.