رئيس التحرير
عصام كامل

ملاحظات حول مشروع قانون التأمين الصحي


من أهم ما يدور في مصر حاليًا هو ما يتم من تمرير لمشروع قانون التأمين الصحي في مجلس الوزراء، وبداية فإن فكرة التأمين الصحي في مصر قديمة عكس ما يظنه البعض، لكنها بدأت تدريجيًا ولاقت صعوبات كبيرة في التطبيق، وكان أهم هذه الصعوبات هى نقص التمويل، وعدم توازن توزيع الأعباء المالي، وقبل أن أخوض في الملاحظات والتحديات التي تواجه مشروع القانون الحالي تعالوا سويًا نتوافق على بعض المفاهيم حتى يسهل علينا مناقشة المشروع، فلنتفق على أن الهدف الأسمى للتأمين الصحي هو إيجاد نظام تكافلي يمكن من مواجهة مجتمعية لخطر المرض.


وأن التأمين الصحى هو بالأساس صندوق تمويل، يهدف إلى تغطية تكلفة الخدمة الصحية، وأنه بدون تغطية تكلفة الخدمة الصحية لا يمكن إيجاد نظام تأمين صحي حقيقي.

فلنتفق أيضًا أن القانون هو نص منظم للحقوق والواجبات وطريقة العمل، ولا يضمن وجود خدمة صحية إلا في وجود مؤسسات قادرة على توفير الخدمات الصحية المطلوبة كمًا وكيفًا وانتشارًا وجودة وتمويل كافي لتغطية تكلفة الخدمة، وهذا يتطلب دراسة جدوى منفصلة للوصول بمؤسسات الخدمة الصحية إلى المستوى المطلوب، وضمان استمرار ذلك المستوى.

في الحقيقة أرى النظام الصحي كالسيارة، تمثل مؤسسات الخدمة الصحية موتور السيارة ومقدار قوتها، وتمثل معايير الرقابة والجودة العجلات والفرامل والإشارات لهذه السيارة، أما وقود هذه السيارة فهو التمويل وهو الذي يحدد المسافة التي يمكن أن تقطعها هذه السيارة مهما كانت قوتها، بينما تمثل نصوص القوانين واللوائح عجلة القيادة لهذه السيارة والتي تضبط الاتجاه وتمنع الانحراف..

فلنتفق أيضًا أن الاشتراكات في نظام التأمين الصحي هى الأساس في التمويل، ويجب أن يتم حسابها بحيادية لضمان تغطية التكلفة الحقيقية.

وأن مساهمات الموازنة العامة للدولة هى حق دستوري لخدمة جميع المواطنين، وليس لفئة بعينها وتوجه لزيادة ورفع مستوى المؤسسات الصحية المملوكة للدولة، وخدمات الطب الوقائي وبعض الخدمات الأخرى، وأن مساهمات الضمان الاجتماعي تكون لخدمة غير القادرين على العمل ومحدودي الدخل من دافعي الضرائب والبطالة المؤقتة - والمسببة- عن العمل وتكون على شكل دفع جزء أو كل الاشتراك المطلوب.

المساهمات في نظم التأمين الصحي حتمية لمنع الإسراف والإهدار، ويجب أن لا تحصل في وقت تقديم الخدمات الطارئة والعاجلة.
طريقة عمل أي نظام تأميني تتكون من عدة خطوات:

1. تحديد دقيق لمستوى الخدمة المطلوب.
2. حساب تكلفة رفع كفاءة مؤسسات الخدمة الصحية وإصلاح الأوضاع الفاسدة، لضمان الوصول إلى مستوى الخدمة المطلوب.
3. حساب دقيق ومحايد لتكلفة الخدمة.
4. دراسة اكتوارية تحدد مقدار الاشتراكات المطلوب دفعه لضمان استدامة التمويل.
5. نص قانوني يحدد الحقوق والواجبات والالتزامات والعقوبات على المخالفات.

تعالوا نرجع إلى تاريخ التأمين الصحي في مصر لنتعلم دروس الماضي ونحاول أن نتجنب الوقوع فيها عند بناء المستقبل، ترجع بداية التأمين الصحي في مصر إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما بدأت فكرة التأمين على العمال ضد إصابات العمل بصدور القانون رقم 64 لسنة 1936 ثم صدر القانون رقم 86 لسنة 1942 والذي تضمنت أحكامه إلزام صاحب العمل بالتأمين الإجباري على عماله ضد إصابات العمل لدى إحدى شركات التأمين التجارية.

وتبع ذلك صدور القانون 117 لسنة 1950 والذي تضمن التأمين ضد أمراض المهنة، وذلك بقيام صاحب العمل بتعويض عماله في حالة الإصابة بأحد الأمراض المهنية بالجدول المرفق بالقانون، ثم صدر القانون 202 لسنة 1958 للتأمين والتعويضات ضد إصابات العمل، الذي تم بموجبه نقل مسئولية تمويل والتزامات إصابات العمل إلى مؤسسة عامة وإنشاء الصندوق القومي لإصابات العمل، للتغلب على تجاوزات شركات التأمين التجارية في حقوق العمال المصابين في ظل القوانين السابقة.

ثم صدر قانون العمل الموحد 91 لسنة 1959 حيث وضع هذا القانون مكونات أو معايير الرعاية الصحية اللازم توفيرها لعمال المؤسسات المختلفة، طبقًا لعدد العاملين بها من جانب صاحب العمل، ونتيجة لهذا القانون بدأت الشركات والمصانع في إنشاء الأقسام والإدارات الطبية بها أو التعاقد مع شركات التأمين التجارية بعقود تأمين جماعية لعمالهم أو التعاقد مع المؤسسة الصحية العمالية، والتي تم إنشاؤها بقرار رئيس الجمهورية رقم 571 لسنة 1961 طبقًا لهذا القانون لتقديم الرعاية الصحية للعاملين بالمصانع والشركات والمؤسسات الصناعية، خاصة إصابات العمل، وأصبحت المؤسسة العمالية فيما بعد نواة الهيئة العامة للتأمين الصحي.

ثم صدر القانون 63 لسنة 1964 بتطبيق التأمين الصحي على العاملين بالقطاعين العام والخاص الخاضعين لقانون التأمين الاجتماعي مقابل اشتراك 4 % من الأجور الشهرية يسددها صاحب العمل، بالإضافة إلى 1 % من الأجر الشهري يسدده العامل.

وقد أناط القانون بالهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في ذلك الوقت تنفيذ هذا القانون، وكان هذا القانون هو بداية عدم التوازن في تقسيم المسئولية بين العامل وصاحب العمل، فقد جعلت النسبة الكبيرة التي يدفعها صاحب العمل عن كل عامل أصحاب الأعمال يحاولون تقليل الرواتب، وتجنب التأمين على العاملين نظرًا لتناسب العبء المالي الملقى عليهم مع مقدار الراتب وعدد العمال.

ونظرًا للازدواج في تنفيذ التأمين الصحي بين الهيئة العامة للتأمين الصحي والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، فقد صدر القرار الجمهوري 3298 لسنة 1964 بنقل مسئولية الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية فيما يخص تطبيق التأمين الصحي إلى الهيئة العامة للتأمين الصحي.

كانت الخطة أن يمتد التأمين الصحي تدريجيًا ليصل إلى التغطية الشاملة خلال 10 سنوات، إلا أن الظروف الاقتصادية خاصة بعد حرب 1967 قد حالت دون ذلك، وانتظر التأمين الصحي ثماني سنوات وانتهاء الحرب ليبدأ في الخطأ من جديد ففي عام 1975 صدر القانون 32 في شأن العلاج التأميني للعاملين بالحكومة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة الذين يصدر بتحديدهم على مراحل قرار من وزير الصحة والسكان خفض هذا القانون الأعباء المالية الملقاة على صاحب العمل من 3% من الأجور الشهرية إلى 1.5%، كما خفض الأعباء على العاملين من 1% إلى ½ % من الأجر الأساسي، وفي مقابل هذا التخفيض أضاف بعض المساهمات المالية يدفعها المؤمن عليه عند الحصول على الخدمة، وكان هذا القانون استدراكًا للخطأ الذي حدث في الستينيات من تحميل صاحب العمل أعباءً كبيرة كان لها أثر سلبي على العاملين.

وبعد شهور قليلة صدر قانون التأمين الاجتماعي 79 لسنة 1975 وهو قانون للتأمين الاجتماعي شمل خمسة أنواع من التأمين هى 1. تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة.
2. تأمين إصابات العمل.
3. تأمين المرض.
4. تأمين البطالة.
5. تأمين الرعاية الاجتماعية لأصحاب المعاشات.

وفيه عدلت نسب اشتراك تأمين المرضى مرة أخرى: حصة صاحب العمل 3% من إجمالي الأجور الشهرية وحصة المؤمن عليه 1% من إجمالي الأجر الشهري.

كما يشمل تأمين المرض لأصحاب المعاشات مقابل 1% من المعاش الشهري لصاحب المعاش، و2% من معاش الأرملة فقط بدون حصة لصاحب العمل.
ونستكمل الحديث الأسبوع القادم إن شاء الله.
الجريدة الرسمية