أُمة عربية مريضة
بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربية هل تريد أن تعرف ما هي مشكلة أمتنا الآن؟ مشكلتنا في أنفسنا! نحن السبب في المشكلة، والمشكلة ناتجة من عقليتنا، وكما يقول الشاعر: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا..
نحن الذين صنعنا تصورا مريضا لفهم الدين، فجعلناه دينا لا يعرف السلام والحب والرحمة، خطابنا الديني الذي نرزح تحته لا يعرف إلا القتل والدم والإكراه والإرهاب، هو خطاب لا يعرف الإسلام، ولم يقترب منه قيد أنملة، وفي ظل هذا الخطاب الإرهابي الذي تخفى تحت واجهة الجهاد، إذا بأصحاب هذا الفكر المتعسف ينشغلون بالآخرة قولا ولم يعملوا لها، فأصبح تطبيقنا للدين مجرد تطبيق قولي لا حقيقي،..
فنحن أمة استعمرنا الله في الأرض ولم نعمرها، وانزل لنا سورة الحديد، فلم نتقن صنع الحديد، أمرنا بإتقان العمل فأهملنا وتراخينا، عرفنا أن النظافة من الإيمان فلم نُقم تلك الشعبة في حياتنا، نهانا الله عن الكذب فكذبنا، ونهانا عن النفاق فنافقنا، قال لنا في كتابه الكريم: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" فقلنا ولم نفعل، ثم إذا بنا بدلا من أن نسعى إلى العمل الإصلاحي والارتقاء بأخلاق الناس ومشاعرهم، إذا بنا نأمرهم بالبر وننسى أنفسنا، جعلنا كل فقهنا حرمان خلق الله من رحمة الله، فجعلنا الجنة لنا وحدنا، وفعلنا ما نهانا الله عنه عندما أعلمنا بخبر الأمم التي سبقتنا بقوله: "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم".
نحن أهل تلك الأمة البائسة أصابتنا الأمراض فكنا سببا في تذيلنا الأمم، ونشرنا الفرقة والخلاف في كل مكان وتحزبنا وتعصبنا، أخذنا من اجتهادات السابقين ولم نجتهد لأنفسنا، أوقفنا آلة الاجتهاد، كل قولنا أخذناه من فقهاء ماتوا منذ أكثر من ألف عام، فأصبحنا نفكر بعقول الموتى، هم اجتهدوا لزمنهم ومكانهم، ولم يجتهدوا لنا، بل هم لم يعرفوا ما الذي حدث لنا، فكيف نستخرج من كتبهم ما يعالج مستجداتنا.
فتنة عصرنا التي أوقعنا أنفسنا فيها هي توسيع دائرة التكفير، واضمحلال التفكير، والتمسك بالفروع، وإهدار الأصول، نحن أمة "اقرأ" ولا نقرأ، وأمة "اعملوا" ولا نعمل، أمة "توحدوا" ومع ذلك تفرقنا، وأمة "يسروا" ولا نُيسر بل نعمل على التعسير ما أمكننا، وأمة "عمِّروا" ولا نُعمِّر، وأمة "اجتهدوا" ولا نجتهد، وأمة "ارحموا" ولا نرحم أو نتراحم، وأمة "لا تكذبوا" ونكذب، وأمة "أتقنوا" ولا نُتقن، وأمة "اصنعوا" ولا نصنع، ولم يبق إلا أن نبحث عن أطباء من خارج أمتنا ليتولوا علاجنا، وما ذلك إلا لأن الأطباء الذين في بلادنا أصابتهم أمراضنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.